صحة
.
لا مُعاينة طبيّة بالليرة المتدهورة في لبنان، وما على المواطن فعله سوى دفع ثمن "الطبابة" بالدولار الأميركي لكي "يبقى بخير". هذا الأمر يُمثل مشكلة أساسية بالنسبة للكثير من اللبنانيين، فمن لا يتقاضى راتباً بالدولار، سيجد نفسه مُضطراً لشراء العملة الصعبة لدفع ثمن "كشفية" الطبيب، وإذا كان الأخير "رحيما"، يمكن أن يقبلَ بالليرة ولكن وفق تسعيرة الدولار الرائجة في السوق.
تعيشُ المواطنة اللبنانية سُعاد (75 عاماً) بمنزلها في بلدة برجا – محافظة جبل لبنان وسط معاناةٍ لا تنتهي مع آلامٍ في المعدة والمفاصِل.
المأساة هي أنّ سعاد (سيدة غير متزوجة)، تمضي أيام شيخوختها من دون أيّ ضمانٍ صحي، الأمر الذي يُجنّبها الدخول إلى المستشفى لتلقي العلاج باعتبار أنَّ ثمن "الدخولية" إلى هناك لا يكونُ إلا بالدولار، فضلاً عن أنَّ تكاليف المعاينة الطبية، لا تكونُ إلا بالعملة الصعبة وتُدفع سلفاً أيضاً.
تقولُ سعاد لمنصة "بلينكس" إنها "تعيشُ من قلّة الموت"، وتكشفُ أنها تتردّد ألف مرة ومرة في إبلاغ إخوتها بما تعانيه من أوجاع لأنّ الوضع الاقتصادي لهؤلاء محدودٌ جداً، وسط تدهور قيمة رواتبهم التي يتقاضونها بالليرة اللبنانية.
لهذا، تراقب سعاد أيامها بـ"حسرة"، وتقول: "لا يمكنني الذهاب إلى المستشفى لأن التكلفة ستكون باهظة جداً.. فمن أين سنأتي بالمال؟ هل نبيع منازلنا من أجل أن نعيش؟".
تكشف سعاد عبر "بلينكس" أنّ إخوتها يأتون إليها بين الحين والآخر بطبيبٍ كان جاراً لها منذ سنوات طويلة في إحدى أحياء برجا القديمة، والهدف هو إجراء معاينة طبية دورية لمواكبة الوضع الصحي من جهة، ووصف الأدوية المطلوبة من جهة أخرى.
عن هذا الأمر، تقولُ سعاد: "بدنا نمشّي الحال.. الدكتور خالد حكيم صحة عامّة وممكن يفيدني ويعطيني شي يخفف عني.. قد ما أخد مش رح يكون قد كلفة المستشفيات، وبالعادة بياخد مليون ليرة كشفية (أي ما يناهز الـ10 دولارات)".
الواقع الذي تعيشهُ سعاد يعدُّ خطيراً عليها، فالاستعانة بطبيب عام قد لا يساهم في علاج حالات طبية مُحدّدة، وفي حال تم وصفُ دواءٍ غير مناسب، عندها ستكون العواقب كبرى هنا، لأن المعاينة تحصلُ داخل المنزل ولا "فحوصات مخبرية" يتم الإستناد عليها، ما يعني أنّ ظروف الإحاطة بالحالة المرضية ستكونُ ناقصة.
راتب الموظف في القطاع العام لا يتجاوز الـ10 ملايين ليرة لبنانية، ما يعني أنَّ المعاينة الطبية لمرة واحدة فقط تفرض على المواطن دفع 10% من راتبه.
رغمَ أن ما تفعله سعاد من أجل الاستمرار في العيش يُعدُّ غير كافٍ من الناحية الطبية، إلا أنه يبقى أفضل من لا شيء.
في الحقيقة، فإن السيدة السبعينيّة تستعينُ بطبيب يمكنه تشخيص الحالة بالحد الأدنى، لكن أشخاصاً آخرين غيرها، لا يمكنهم إحضار طبيب إلى منزلهم حتى، وما يفعلونه هو اللجوء إلى الصيدلي فقط، والذي تحوّل إلى "شبه طبيب"، علماً أنّ قدرة تحركه مع الحالات المرضية العديدة مُقيّدة بحُكم مهنته وخصوصيتها وحساسيتها.
في حديثٍ عبر منصة "بلينكس"، يقولُ الصيدليّ وسام سُعيفان (47 عاماً) إنَّ هناك حالات طبية يمكن للصيدلي أن يتدخل بها وإعطاء أدوية لعلاجها، إلا أنّ الأمراض المزمنة لا يمكن بتاتاً التدخل بها من دون معاينة طبيب.
ويضيف: "في حال كان المريض يعاني مثلاً من رشح أو حالة طبية تُشخّص بسهولة، يمكن مساعدته، لكنه في حال كان يعاني من ارتفاع بالضغط أو بالسكر في الدم، فعندها يتوجب اللجوء فوراً إلى الطبيب".
وأكد سُعيفان أنَّ الصيادلة لديهم صلاحيات محدودة، مشيراً إلى أن الوضع الاقتصاديّ السيء عند الكثير من الأشخاص يدفعهم إلى عدم الذهاب نحو الأطباء، الأمر الذي يُعرضهم لخطرٍ كبير قد يصل إلى الموت.
ويختم الصيدلي: "أغلب المعاينات الطبية باتت بالدولار، والمشكلة تكمن عند الأشخاص الذين ليس لديهم ليرة أو دولار.. فماذا سيكون مصيرهم؟ الأزمة كبيرة جداً وليست سهلة وتُهدّد شريحة واسعة من المجتمع".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة