لغز الديجافو.. لماذا نجد أنفسنا في نفس الموقف مرارا وتكرارا؟

ديجافو، مصطلح فرنسي يعني "شوهد بالفعل"، هي ظاهرة غامضة وآسرة أثارت اهتمام البشر لعدة قرون. ويشير إلى الشعور بأنك واجهت موقفا أو حدثا، تنكشف أحداثه الآن، من قبل، حتى عندما يحدث لأول مرة. في حين أن ديجافو أمر شائع، إلا أن آلياته الأساسية وطبيعته الحقيقية تظل محاطة بالغموض.

غالبا ما يشعر الأفراد الذين يعانون من ديجافو وكأنهم يعيشون لحظة ما، كما لو كانوا قد مروا بها من قبل، أو سمعوا نفس المحادثة، أو شاهدوا نفس المشاهد. يمكن أن تظهر هذه الظاهرة بطرق مختلفة، تتراوح من الإحساس العابر إلى تجربة أطول.

وفقا لعالم النفس آرثر فانكهاوسر، هناك 3 أنواع فرعية من الديجافو، وهم:

الديجافو الكلاسيكية

والتي تترجم إلى "لقد مررت بهذا بالفعل". وهذا هو النوع الأكثر شيوعا، حيث يشعر الأفراد بإحساس قوي بالألفة في موقف جديد.

ديجا سينتي (déjà Senti)

بدلا من الاعتقاد بأنك رأيت شيئا ما من قبل، يتضمن ديجا سينتي إحساسا بأنك شعرت بشيء ما من قبل.

ديجا فيكو (Déjà vécu)

هذا شكل أكثر حدة من ديجافو، حيث لا يشعر الأفراد أنهم مروا باللحظة الحالية من قبل فحسب، بل يتذكرون أيضا تفاصيل محددة أو يتنبأون بما سيحدث بعد ذلك.

كان من الصعب معرفة كيفية تفسير هذه التجربة، وذلك لأنها عابرة للغاية وتحدث في مجموعات سكانية متنوعة - وغالبا ما لا توجد حالات طبية توحدهم. لكن لدى الباحثين بعض النظريات حول سبب حدوث ديجافو. ويعتقد بعضهم أنها فعليا مجرد خدعة تقوم بها ذاكرتنا.

ولكن إليك أهم النظريات المقترحة:

المعالجة المزدوجة

تشير بعض النظريات إلى أن الديجافو يحدث عندما يكون هناك تأخير في نقل المعلومات بين نصفي الدماغ، مما يؤدي إلى شعور مؤقت بالألفة.

تم اقتراح مفهوم المعالجة المزدوجة في الديجافو من قبل روبرت إيفرون، طبيب الأعصاب الأميركي، في الستينيات. اقترح إيفرون أن نصفي الكرة المخية، المسؤولين عن معالجة أنواع مختلفة من المعلومات، قد يخرجان عن المزامنة للحظات، مما يؤدي إلى الشعور بالألفة في موقف جديد.

عدم التطابق في تكوين الذاكرة

وفقا لهذه النظرية، قد تحدث ديجافو عندما يكون هناك عدم تطابق في الطريقة التي يعالج بها الدماغ الذكريات ويخزنها، مما يؤدي إلى شعور زائف بالألفة.

وقال إندل تولفينج، عالم نفس كندي، غالبا ما يرتبط بفكرة تكوين الذاكرة غير المتطابقة. وقد ساهم عمله في الذاكرة العرضية وكيفية تشفير الدماغ للمعلومات واسترجاعها في فهم كيف يمكن أن تؤدي التناقضات في معالجة الذاكرة إلى تجارب ديجافو.

أظهرت الدراسات أن تجارب الديجافو قد تكون مرتبطة بزيادة النشاط في الفص الصدغي للدماغ، والذي يرتبط بالذاكرة والاعتراف.

أجرى وايلدر بنفيلد، جراح أعصاب كندي، أبحاثا مكثفة حول الفص الصدغي ودوره في الذاكرة خلال منتصف القرن العشرين. في الآونة الأخيرة، اكتشف باحثون مثل الدكتور أكيرا أوكونور العلاقة بين ديجافو وفرط نشاط الفص الصدغي من خلال دراسات التصوير العصبي.

بينما أصل الديجافو لا يزال لغزا، يقترح بعض علماء النفس أن الديجافو تنجم عن قيام الدماغ بمعالجة المعلومات في وقت واحد بوعي ودون وعي، مما يخلق شعورا بالألفة.

ساهم علماء النفس آن كليري وستيفن براون في فهم المعالجة المتوازية في ديجافو. لقد استكشفت أبحاثهم كيف يمكن أن تتقارب أنظمة الدماغ المزدوجة للمعالجة الواعية وغير الواعية، مما يؤدي إلى إدراك الألفة في المواقف الجديدة.

قد تكون الديجافو مرتبطة باستدعاء الأحلام التي تتشابه مع تجارب اليقظة، مما يؤدي إلى الشعور بأنك عشت بالفعل لحظة معينة. تطرق سيغموند فرويد، طبيب الأعصاب النمساوي ومؤسس التحليل النفسي، إلى مفهوم الديجافو فيما يتعلق باستدعاء الأحلام. في حين أن فرويد لم يقترح هذه النظرية على وجه التحديد، إلا أن استكشافه للأحلام والعقل اللاواعي قد أثر على الفهم الأوسع للديجافو كظاهرة مرتبطة بالذاكرة والإدراك.

مهما كان السبب، يمكنك التأكد من أنه في معظم الحالات، يحدث الديجافو لأن الدماغ البشري غريب بعض الشيء، وليس لأنك نجحت في رؤية المستقبل في المنام.