التبرع بالأعضاء في الأردن.. "من بعدي حياة"

عمرو الذي فقد بصره في عمر الـ10 سنوات، لاحقته تحديات جمّة، خاصة وأنه كان مصرا على مواصلة تعليمه.

ويقول "منذ لحظة فقدان البصر تغيرت حياتي بشكل كامل، فالتحديات تلاحقني من كل صوب، ولكن بقي الأمل في نفسي بأن يأتي ذلك اليوم الذي استعيد به بصري، وخلال الجامعة أجريت زراعة القرنية للعين الشمال، هذه القرنية جاءتني من متبرّع، أما العين اليمين فعالجها الطبيب من خلال العدسات اللاصقة الصلبة".

شعوره بالفرح لرؤية وجه أمه وأهله بعد فك الضمادات لا يوصف، وفق ما وصف لبلينكس، وأضاف "كان شعورا بالفرح والخوف في الوقت عينه، عالم جديد أتعرّف عليه، والنور بحد ذاته مبهر ويستحق كل هذا الجهد".

عمرو يدعو بالرحمة والمغفرة للشخص الذي منحه هذه القرنية التي قُدمت له وغيرت حياته وفتحت له آفاقا جديدة.

وقال "التفكير كان يحاصرني، دوما كنت أسأل نفسي كيف لي أنّ أتدرب في مهنة المحاماة وكيف من الممكن الترافع أمام القضاء.. وبالفعل كان التبرع سبيلا للخلاص من هذا القلق".

أما الطفل علي الدرّاس الذي توفي عام 2020 جراء سقوطه بمدينة ألعاب في العاصمة عمّان، فقد قرر والداه التبرع بقرنياته إيمانا بأهمية هذا التبرّع.

تقول والدة الطفل د. صفاء أبو رمان لبلينكس: "تبرعنا بقرنيات ابننا إيمانا منا بأنّ هذا التبرع سيخفف من ألمنا باعتبار أن جزءا منه سيبقى حيا ويساعد طفلة صغيرة وسيدة من التمكن من مواصلة حياتهم".

وتحاول هذه الأم جاهدة هي وأسرتها في ترسيخ ثقافة التبرع بالأعضاء.

تقول أبو رمان "بعد وفاة ابني، أطلقنا مبادرة اسمها "من بعدي حياة"، ونتج عنها آلاف المتبرعين، ولكن لنعترف أنّ لدينا مشكلة في أنّ هذا التبرع جزء من نظام صحي محوسب، فالمتبرع إذا لم يؤكد أهله في أنه يود التبرع، فلا أحد سيتذكر، خاصة أن لحظة الوفاة، لحظة صعبة تكون بها العائلة مصدومة، وكما هو معروف فإن الإنسان عندما يتوفى تصبح الوصاية على جسده لولي الأمر".

تقول أبو رمان: "يبلغ متوسط الوفيات السنوي في الأردن 30 ألف وفاة، وهناك آلاف الناس التي تحتاج وتنتظر التبرع سواء بالقرنيات أو الأعضاء الأخرى، في الحقيقة إن نسب التبرع متدنية والدليل أنّ قوائم الانتظار طويلة، وهذا ناتج عن عدم وجود الوعي بأهمية هذا التكافل".

وتضيف أن "التبرع بالقرنيات أمر في غاية الأهمية وإجراءاته بسيطة ولا تأخذ الكثير من الوقت، هنالك إمكانية استيراد القرنيات ولكن كلفتها عالية تقارب 2000 دولار، غير التفاصيل الأخرى، وتكون جودة القرنية المحلية أفضل من المستوردة، ومن هنا تأتي أهمية التحرك والتعاون في التبرع".

التبرّع بالأعضاء جائز ضمن شروط محددة وضحها مجلس الإفتاء الأردني، منها أن يكون المتبرّع كامل الأهلية، مع التأكيد أن العملية يجب أن تكون في صورة تبرع "ولا يجوز نقل الأعضاء بين البشر على سبيل التجارة".

ويشير الناطق الاعلامي باسم دائرة الافتاء العام الاردنية د. أحمد الحراسيس أنّ مجلس الافتاء أكد أنّ التبرع بالأعضاء البشرية واحد من أعمال الخير المستحبة إذا تحققت الشروط الشرعية الواجبة، لما في هذا العمل من إنقاذ أرواح الناس وتخفيف آلامهم.

أما بالنسبة للتبرع بالقرنيات، فإن قواعد الشريعة الإسلامية تبيح الاستفادة من قرنيات عيون الموتى لزرعها في عيون كفيفي البصر أو المهددين بالعمى.

بحسب دائرة الافتاء الأردنية فإن الشروط الشرعية تؤكد على التحقق من وفاة المتبرع، وتوفر ظن غالب لدى الأطباء بنجاح عملية الزراعة فضلا على أن يكون الميت قد تبرع قبل موته بقرنيته، أو رضي الورثة بذلك.

ويبين الحراسيس لبلينكس أن الأدلة الشرعية المؤيدة لجواز هذا الأمر متعددة أبرزها إن نقل الأعضاء من الأموات إلى الأحياء فيه حفظ للنفوس (..)، ومما لا شك أنَّ العمى أو فقد البصر ضرر يلحق بالإنسان، ودفع هذا الضرر ضرورة شرعية تبيح نقل قرنيات عيون الأموات إلى عيون الأحياء.

تبيّن نائبة الأمير رعد بن زيد، رئيس جمعية أصدقاء بنك العيون الأردني والوقاية من فقدان البصر، د. حنان يحيى الدروبي، أنّ جمعية أصدقاء بنك العيون الأردني والوقاية من فقدان البصر تأسست في عام 1980، وتتركز أهدافها على دعم بنك العيون الأردني من خلال نشر ثقافة التبرع بالقرنيات والتنسيق بين المستشفيات والبنك عند التبرع بالقرنيات من قبل أهل المتوفى والمساهمة في تمويل عمليات العيون للمرضى الفقراء.

تؤكد الدروبي لبلينكس أنّ قوائم انتظار المرضى المحتاجين لزراعة القرنيات طويلة تفوق 2000 مريض، ولذلك فإن "التعويل ينصب على وعي المواطن في تقبل فكرة التبرع بقرنيات عزيز له فقده".

وتضيف أن الأمر كان صعبا للغاية في البدايات ولذلك تم إيجاد حل القرنيات المستوردة لكنها عملية مكلفة وتتطلب العديد من الإجراءات.

وتقول طبيبة العيون إن القرنية المحلية تفوق القرنية المستوردة من ناحية الجودة، "فالمحلية يتم استئصالها خلال 24 ساعة من بعد الوفاة وممكن زراعتها مباشرة للمريض المحتاج، وما يشجع على استمرارية العمل على التبرع بالقرنيات هو أن نسبة نجاح عملية زراعة القرنية تصل إلى 85%".

وتوضح الدروبي أن الجمعية منذ تأسيسها نجحت في زراعة 4000 قرنية محلية، وما زالت حملات التوعية والعطاء والعمل مستمرة ومن دون كلل للقضاء على قوائم الانتظار في مختلف مستشفيات المملكة.