تدمير بورسعيد في "حرب أكتوبر".. لماذا اعترفت إسرائيل بـ"المسار الدموي"؟

في التاسعة مساءً ليلة العاشر من أكتوبر، عقدت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير لقاءً مع وزير الدفاع موشيه ديان وقيادات الجيش والحكومة لمناقشة تأمين الحدود، وتوجيه ضربات عميقة في الداخل المصري والسوري، ومناقشة إمكانية عقد هدنة.

يظهر محضر جلسة الاجتماع أن موشيه ديان أطلع غولدا مائير على سياسة الجيش لتوجيه ضربات "لأهداف اقتصادية" في مصر كناية عن الأهداف المدنية غير العسكرية، وهي سياسة بدأها الجيش قبل الاجتماع بيوم واحد.

تشكل هذه السياسة انتهاكاً للقانون الدولي ومواثيق جينيف التي وقعت عليها إسرائيل والتي تمنع مهاجمة استهداف المدنيين والأهداف المدنية.

في الأيام التالية، يبدو أن تلك السياسة تم تنفيذها بالفعل بحسب سجلات سلاح الطيران الإسرائيلي التي ظهر فيها ثلاث مهمات لطائرات مقاتلة، الأولى بمشاركة 4 طائرات قصفت منطقة بورسعيد الصناعية، والثانية قصفت مدينة بورسعيد بـ٤ طائرات والثالثة قصفت ميناء بورسعيد بثلاث طائرات.

بين التاسع والعاشر من أكتوبر، سجلت السلطات المصرية نحو 156 غارة إسرائيلية على بورسعيد، أدت لتدمير منازل ومساجد وكنائس ومدارس ومستشفيات. وفي الثاني عشر من أكتوبر، نقلت تقارير إسرائيلية إفادة وزير الخارجية المصري محمد حسن الزيات لمجلس الأمن بأن عدد الضحايا المدنيين في بورسعيد وصل لأكثر من 500 قتيل.

إسرائيل استخدمت أيضاً قنابل الفسفور الأبيض المحرم دولياً في معاركها في مصر، حيث نقل الصحفي الإسرائيلي يجال لڤيڤ رؤيته نيران ذخائر الفسفور وهي تشتعل "بشكل مرئي في كل مكان" في منطقة قناة السويس، بما في ذلك عشرات أكواخ الفلاحين التي أُحرقت بمبادرة من الجنود، بحسب ما نقله المحاضر الجامعي الإسرائيلي يانيڤ كوجان من جامعة تل أبيب.

ويضيف يجال بأن مدينة السويس احتوت على "معهد عظيم" لدراسة الحياة المائية، وأن وفداً من العلماء الإسرائيليين قاموا بالبحث عنه لأيام "على أمل معرفة الكثير عن الحياة تحت الماء في خليج السويس". لكنهم وجدوا "جميع أحواض السمك تحطمت، والأسماك التي جُمعت لسنوات عديدة، تم تدميرها بوحشية ، ونُهبت المعدات الثمينة أو دمرت ببساطة".

ويبين يانيڤ كوجان أنه "حتى بعد توقف القتال، استمرت المذبحة. حيث "أوقف جنود إسرائيليون وفد إسعاف طبي برئاسة ممثل الصليب الأحمر د. إدوين سبيريجي في طريقه إلى السويس. وقدر سبيرجي أن عشرات المدنيين لقوا حتفهم بسبب التأخير في تسليم المعدات الطبية".

محاضر اجتماعات الجيش المكشوف عنها سابقاً تظهر انتهاج سياسة مماثلة في سوريا التي شاركت إلى جانب مصر في الحرب.

في التاسع من أكتوبر أخبر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي دافيد إلعازار جنرالاته أن خطة الجيش في الأيام القادمة ستكون "كسر سوريا".

تنقل إحدى وثائق الأرشيف قوله "اقصفوا داخل دمشق وحمص وحلب واللاذقية. أنا بحاجة لتأثير دراماتيكي، لكي تصرخ سوريا، لكي يصرخ أحدهم ويقول يا ويلتاه، إنهم يدمرون سوريا".

يضيف: "ربما سيقول أحدهم حينها: توقفوا، أوقفوا النار. لا بد لي من كسر سوريا الآن. أغيروا على مدنهم الأربع في الموجة الأولى، والموجة الثانية الكهرباء. محطتي الطاقة الكهربائية. أخبروني بشيء آخر من شأنه أن يكسر سوريا. ستكون هناك صرخة رعب في العالم".

بعد يومين، نقلت صحيفة معاريف الإسرائيلية أنه في الجلسة المسائية لمجلس الأمن في 11 أكتوبر "عرض ممثل سوريا، الذي كانت الدموع في عينيه، التوصل لاتفاق فوري يحظر القصف الجوي على أهداف مدنية"، وفقاً لما نقله كوجان.

يرى كوجان بأن الاكتشافات الأرشيفية الجديدة توضح أن "القصف الممنهج للمدنيين، والقتل التعسفي، وإحراق الممتلكات، والترحيل القسري" كانوا في "قلب حرب يوم الغفران"، ولكن جميع الروايات الإسرائيلية الرسمية والأكاديمية والصحفية عن الحرب لا تتناول هذه الزاوية.

حرب أكتوبر تشير إلى الصراع العسكري الذي وقع في أكتوبر 1973 بين مصر وسوريا، واللتان تشكلتا في حلف الدفاع المشترك، من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى.

بدأت الحرب في 6 أكتوبر 1973 بالهجوم المفاجئ المشترك للقوات المصرية والسورية على الجبهة الإسرائيلية. كانت الهجمات متزامنة مع الاحتفال اليهودي بيوم الغفران الذي يعتبر أحد أهم الأيام الدينية في اليهودية.

تكبدت إسرائيل خسائر كبيرة في البداية، ولكنها تمكنت من تعزيز قواتها وتنفيذ عمليات هجومية تكتيكية تحت قيادة مئير دايان لاستعادة المبادرة.

وعلى الرغم من نجاح إسرائيل في تحقيق بعض التقدم، إلا أن الحرب انتهت بوقف إطلاق النار في 25 أكتوبر 1973.