سوق يختزل ذاكرة بغداد

بمحاذاة دجلة يمتد سوق السراي عند آخر شارع المتنبي، ويمتاز بسماته الهندسية العراقية وتاريخه الممتد لقرون خلت.

الأصوات والمناظر وعراقة المكان، تجذب الزوار إليه من مختلف الأعمار والمستويات، ليجدوا كل ما يبحثون عنه داخل جدرانه العتيقة وبضائعه المتنوعة.

اعتاد صادق القيسي ( 52 سنة) على مرافقة أولاده مع بداية كل عام دراسي في العراق لشراء القرطاسية. زيارة السوق لديهم لها نكهة لا تقتصر على التبضع وحسب، بل تشمل الاستمتاع بجمال ذلك السوق التراثي وفولكلوره المميز.

يقول صادق إن زيارة السوق توفر لهم الاستمتاع بأجوائه الخلابة، فهو بات مركزاً تسويقياً وتراثياً، مشيراً إلى أنه وعائلته يجدون في كل يوم جمعة، متعة غير مسبوقة بزيارته للتبضع والاستمتاع بصخب الحياة التراثية بين جدران السوق ومحلاته.

يبلغ طول السوق الذي يعود تاريخ إنشائه إلى القرن السادس عشر، 300 متر، وحمل أسماء عديدة قبل اسم السراي مثل سوق الوراقين، كما أنه كان شاهداً ومتأثراً بالتغيرات التي عاشتها بغداد، لكنه احتفظ بمكانته التراثية والتجارية.

يختزل هذا السوق ذاكرة شاهدة على متغيرات الحياة في بغداد، تمتد لأربعة قرون حافظ فيها على إرثه التاريخي والحضاري.

يقول حازم علي، صاحب محل لبيع القرطاسية في السوق، إن مكانة السوق لا يضاهيها أي سوق آخر، كما أن موقعه على ضفاف نهر دجلة جعلته فريداً في جذب كل طبقات المجتمع العراقي، مشيراً إلى أن السوق زاره بعض الفنانين والأدباء والقادة ووفود من دول أخرى.

أنشئ سوق السَراي من قبل الوالي العثماني، محمد باشا، عام 1600 ميلادية، وعُرف ببيع المنتجات اليدوية كالجلود وسروج الخيل والسيوف والخناجر والسجاد والساعات والتبغ والسجائر، وغيرها من الحرف اليدوية، ويقع إلى جواره جامع الوزير حسن الباشا.

وسمي السوق بتسميات عدة قبل أن يسمى بالسراي، حيث كان يسمى سوق السراجين نسبة لصناعة سروج الخيل في عهد الدولة العثمانية، وفي وقتنا الحالي أصبح سوق السراجين بجواره، ولم يكن حتى ذاك الوقت قد امتلك شخصية سوق المكتبات والوراقين.

ويضم السوق بين ثناياه أزقة فرعية ضيقة، مثل شارع السراجين، وشارع الساعاتية، وشارع الحجامة، وإليه تنسب الأكلة الشعبية الأشهر في بغداد "كبة السراي"، ويلاصقه من جهة النهر مبنى المدرسة العسكرية في عهد الدولة العثمانية، والتي تحولت لاحقاً إلى المحاكم المدنية العراقية.