مصر تستعيد "زمن الفن الجميل" بعمليات الترميم

يقول المهندس محمد فؤاد، رئيس القطاع الهندسي بمدينة الإنتاج الإعلامي، إن عملية ترميم الأفلام تمر بعدة مراحل فنية معقدة، حيث إن الأفلام السينمائية القديمة قد تكون تحلَّلت بسبب الحفظ لفترات طويلة في ظروف غير صالحة للحفاظ على مادة تلك الأفلام.

ويوضح أن عملية الترميم تمر بأكثر من مرحلة: أولها يدوياً، وذلك لإصلاح الأجزاء التالفة في بعض الأشرطة، ثم تأتي مرحلة ما تُعرف بـ"الغسيل" وتُستخدم فيها أحدث ماكينة لإزالة أي عوالق على مادة الفيلم، كالأتربة أو غيرها، وبعدها تُنقل الأفلام من الأشرطة إلى صورة رقمية باستخدام ماسح ضوئي متقدم.

يتم بعدها التعامل مع الفيلم رقمياً لإزالة أي خدوش أو عيوب في الصورة والألوان بأحدث البرامج العالمية، حتى يُعاد للصورة رونقها وتكون صالحة للعرض على الوسائط والشاشات الحديثة، هذه العملية قد تستغرق مدة بين أسبوعين إلى شهر، وتعتمد على حالة الفيلم وطريقة تخزينه.

يقول فؤاد إن عملية تصحيح ألوان وتحويل فيلم "غرام في الكرنك" لفريدة فهمي ومحمود رضا لنسخة رقمية أخذت الكثير من الوقت، بسبب أن الفريق تسلَّم الفيلم الذي أُنتِج عام 1967 لوناً واحداً، ما يعني أنه كان عليهم إضافة كافة الألوان.

ويضيف فؤاد أن تكلفة الفيلم الواحد قد تصل إلى نحو 100 ألف جنيه مصري.

كان أول أعمال المركز ترميم الأفلام الوثائقية لجريدة مصر السينمائية المملوكة للهيئة العامة للاستعلامات عام 2018 التي تؤرخ لحقبة وطنية مهمة في تاريخ مصر، مثل زيارة الرئيس السابق محمد أنور السادات للقدس، وخطاب التنحي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

كانت هذه الأفلام محفوظة على قرابة 500 ساعة من الأشرطة السينمائية.

هذا المشروع استمر ما يزيد على عامين، من بعدها بدأ المركز في التعاون مع الكثير من شركات الإنتاج في مصر والوطن العربي. ورمم المركز أفلاماً مثل "شورت وفانلة وكاب" للفنان أحمد السقا وأفلاماً للمخرج المصري يوسف شاهين.

وتعاون المركز أيضاً مع عدة مهرجانات من بينها مهرجان القاهرة السينمائي، حيث قام بترميم فيلمي "أغنية على الممر" و"يوميات نائب في الأرياف"، بالإضافة إلى التعاون مع مهرجان الإسماعيلية لترميم عدد من الأفلام الوثائقية القصيرة.

وعُرض فيلم "انتصار الشباب" الذي يعود تاريخه إلى عام 1941 لأسمهان وفريد الأطرش منذ أسابيع قليلة مضت في مهرجان البحر الأحمر في السعودية.

هناك بروتوكول تعاون بين المركز وأكاديمية الفنون؛ لترميم وتصحيح الأفلام الخاصة بمشاريع التخرج للمخرجين القُدامى مثل محمد خان وعادل الميهي.

مدينة الإنتاج الإعلامي أعلنت مؤخراً أنها اتفقت مع إحدى شركات الإنتاج السينمائي على ترميم 50 فيلماً روائياً طويلاً من الأفلام القديمة التي تمثل علامات بارزة في تاريخ السينما المصرية، من بينها فيلم "البؤساء" للمخرج عاطف سالم وبطولة فريد شوقي.

يقول أندرو محسن الناقد السينمائي، إن هناك أزمة كبيرة في رقمنة الأفلام المصرية القديمة وهذا ما يجعلها غير متاحة.

أضاف أن لديه تجربة مع أحد المهرجانات الأوروبية الذي كلما حاول عرض فيلم مصري قديم لا يجد المهرجان نسخة رقمية جيدة، وإذا وُجدت لا تكون مترجمة بالإنجليزية؛ ما يصعب من عرض هذه الأفلام.

يقول إن هناك العديد من المهرجانات الأوروبية التي تحتفي بالسينمات الكلاسيكية المختلفة، ولكن من النادر أن نجد فيلماً مصرياً ضمن هذه المهرجانات، رغم أن مصر لديها تراث سينمائي ممتاز، لكنه غير متاح بالشكل الكافي.

يشعر محسن بالحزن لأن هناك مئات الأفلام المصرية والمخرجين المصريين غير المعروفين باستثناء يوسف شاهين ويسري نصر الله.

ويرى الناقد السينمائي أن عمليات الترميم تُطور من جودة الأفلام وطريقة عرضها، ولكن في النهاية لا تطور المحتوى، بمعنى أن قيمة الأفلام ستظل كما هي، ولكن تطوير الأفلام يتيح فرص عرض أكبر، وتعطي فرصة لمن لم يشاهدها من قبل أن يستمتع بها لأول مرة.

وأضاف محسن أن نسخة مرمَّمة من فيلم "باب الشمس" للمخرج يسري نصر الله عُرضت مؤخراً في مهرجان الجونة السينمائي المصري، ويرى أن مشاهدة الفيلم بعد تطويره تقنياً كانت ممتعة، مضيفاً "لكن باب الشمس سيظل باب الشمس".