حفاظاً على التراث.. كريستين تعيد الحياة لبيوت السلط

من نافذة الهندسة المعمارية التي تخصصت بها، التفتت نصر الى المنازل التراثية الكثيرة المتواجدة في هذه المدينة. منازل تحمل في طياتها سلسلة حضارات متتالية وما تضمنته من تنوع للثقافات ظهر جلياً في التصاميم العمرانية، التي تعاني من الإهمال رغم الأهمية التاريخية.

ومن هنا كانت بداية حكاية المهندسة كريستين التي تعرفت على السلط في مرحلة الطفولة، لتعود إليها لاحقاً متزودة بخبرة في ترميم المنازل التراثية وإعادة رونقها من جديد.

هذه المهمة تصفها المهندسة في لقاء مع بلينكس، أنها تتطلب الوقت والجهد الحثيث والتكلفة المادية، إلا أن النتيجة النهائية لهذه الإصلاحات يمكن تصنيفها بـ "المبهرة وفوق الخيال".

تضيف نصر: "السلط يوجد بها مئات المنازل التراثية، ووجدت ضرورة أن تعود هذه المنازل الى روحها. بدأت في ترميم منزل في منطقة الخضر في عام 2018 وهذا الترميم أخذ مني سنوات، وكنت أعمل مع العمال وأشرف عليهم لحظة بلحظة بشغف المشتاق المنتظر لمنزل تاريخي مرّ عليه العديد من الحقب الزمنية".

تشرح نصر عن الترميم بالقول "مهمة الترميم شاقة جداً إلا أنها ممتعة، فالمنازل التي رممتها كانت تعاني من احتراق الحجر واستخدام الأسمنت بكميات كبيرة أدت إلى إلحاق الأذى في الحجر الموجود، لقد حرصت كل الحرص على عدم تشويه تصميم المكان والحفاظ على نمطه القديم فضلاً على جعله ان يبدو أقدم أكثر. بعد أنّ انتهيت من عملية ترميم المنزل الأول، توجهت لمنازل أخرى بذات الشغف".

المهندسة كريستين هي ناشطة اجتماعية وصاحبة مبادرة "عراقتنا ترميم تراثنا"، التي تعنى بترميم البيوت التراثية في مدينة السلط، للحفاظ على هوية المكان التاريخية والثقافية.

تضيف نصر "المنازل في السلط تعود لحقب تاريخية متنوعة، وهذا يظهر من خلال الأقواس الموجودة وأيضاً العقد المتعدد الأشكال، والأدراج القديمة المميزة، هذه المدينة ملفتة بكل محتوياتها من منازلها المبنية على الجبال إلى شوارعها الحجرية وحاراتها المتراصة".

وتوضح نصر أن ما يميز السلط هو موقعها الاستراتيجي، فوجود الجبال من جهات متعددة والأودية ساهم في جعلها تحفة، فضلاً عن أنها مدينة تشكل نموذجا للتعايش والتآخي، فهناك أحياء كاملة جمعت بين المسلمين والمسيحيين لتكون ملاذا آمناً للجميع".

عام 2021، أُدرجت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، مدينة السلط في على قائمة التراث العالمي باعتبارها "مدينة التسامح والضيافة الحضارية".

ويجد السياح من كافة بقاع العالم في زيارتها متعة خاصة، عبر التاريخ استوطنها الإنسان منذ العصور الحجرية القديمة، وصولاً الى الحضارات البيزنطية والرومانية والعثمانية، وتتميز السلط بحجارتها الصفراء لتعرف باسم المدينة "الذهبية".

تشير نصر في أنها عبر ترميم المنازل التراثية حافظت على التراث المادي، ومن خلال إقامة ملتقيات ثقافية في المنزل الأول الذي أنجزت ترميمه حافظت أيضاً على التراث الغير مادي، وانبهر الزوار بالجهود التي بُذلت، فهذه المنازل عادت بهم حقباً تاريخياً إلى الوراء وفقاً لردود فعلهم، وحرصت المهندسة باختيار أثاث عتيق يتناغم مع المكان كصندوق العروس والفضيات وغيرها.

تلفت نصر الى أنّ هنالك دول عديدة يوجد بها مدن قديمة تاريخية، وقد حافظت على هذا التراث، فالقدس والشام من المدن الملفتة التي تروي حكاية تاريخ بأكمله، واستطاع أهل هذه المدن الحفاظ على طابعها العمراني الذي شكل بالنسبة لهم جسرا لهم بين الماضي والمستقبل.

وتختم بالقول "المنازل التراثية تواجه مصيراً مقلقاً، وعلى المعنيين وأيضاً المجتمع المحلي لأي منطقة الاهتمام والعناية بها نظراً لمكانتها المهمة، فهي كنز عظيم يمكن الحفاظ عليها واستثمار وجودها فهي محطة جاذبة للسياح الباحثين عن الإرث والتاريخ العريق".