تاريخ

كيف خرجت أكبر مدينة من "تحت الأرض" للنور؟

نشر

.

Heba Alhamarna & AFP

تحت المنازل الحجرية في مديات بولاية ماردين في جنوب شرق تركيا، تمتد شبكة من الدهاليز التي كشفت عنها البلدية نتيجة أعمال الحفر والتنقيب، ويُعتقد أنها أكبر مدينة تحت الأرض في تركيا.

بلغ مجموع ما اكتُشف إلى اليوم أكثر من 50 قاعة، متصلة بنفق يبلغ طوله 120 متراً، وزُيِّنَت جدران بعضها برسوم غامضة، من بينها مثلاً حصان منمق ونجوم 8 وأشجار ويد شخص بالغ.

موظفو البلدية يعملون داخل موقع ماتياتي الأثري. أ ف ب.

عمليات حفر منذ ٢٠٢٠

يحكي المسؤول عن مكاتب الحفظ والتفتيش في بلدية مديات مروان ياوز، الذي يشرف على المشروع: "حفرنا أكثر من 8 آلاف و200 متر مربع من مساحة إجمالية تقدر بـ900 ألف متر مربع، ما يجعلها أكبر مدينة تحت الأرض في الأناضول وربما حتى في العالم".

وبدأت أعمال الحفر في يونيو 2020 "من طريق المصادفة تقريبا"، عندما اكتشفت البلدية التي كانت تنظف أقبية المنازل نفقاً ضيقاً يقلّ عرضه عن 1.70 متر، خلف باب خشبي أزرق اللون.

وشرح أن "الناس، سعياً منهم إلى الاحتماء من الظروف المناخية والأعداء والحيوانات المفترسة والأمراض، لجأوا إلى هذه الكهوف التي حوّلوها إلى مدينة حقيقية".

موظف البلدية يعمل داخل موقع ماتياتي الأثري. أ ف ب.

وأوضح أن المدخل الأساسي يتكون من فتحة مستديرة كان ينبغي الانحناء للمرور منها.

وأضاف "في الواقع، كنا نشعر بأنها موجودة، فقد انهارت الأرض وسقطت آلة بناء في سبعينات القرن العشرين. لكن في ذلك الوقت، لم نسعَ إلى معرفة المزيد".

مدينة ماتياتي تحت الأرض

كانت هذه المنطقة الواقعة على الحدود مع سوريا، على أبواب بلاد ما بين النهرين، محطّ أطماع كل الإمبراطوريات الكبرى، وتعاقبت عليها الاحتلالات.

موقع ماتياتي الأثري. أ ف ب.

ولاحظ ياوز أن "الوثنيين واليهود والمسيحيين والمسلمين، كل هؤلاء المؤمنين، ساهموا في مدينة ماتياتي تحت الأرض"، وهو الاسم القديم لمديات الذي استُخدِم في الألفية الأولى قبل الميلاد على شاهدة تروي غزو الآشوريين للمدينة.

ويقود النفق إلى قاعة ذات أرضية محفورة في كتلة من الحجر الجيري، وفي وسطها بلاطة ربما كانت تستخدم للاحتفالات أو تقديم الأضاحي.

وعلى الجدران، تشهد آثار الآلات على الضربات التي ضربت لفتح الممر في الحجر.

وشرح ياوز أن "من الصعب تحديد أصل المكان نظراً إلى أن كثراً شغلوه من دون انقطاع".

مدينة قبل باقي المدن

يحكي الدكتور أكرم أكمان، المؤرخ في جامعة ماردين، عاصمة الولاية التي تبعد 80 كيلومتراً إلى الغرب، إن "هذه الأراضي كانت قبل وصول العرب محل نزاع مرير بين الأشوريين والفرس والرومان ثم البيزنطيين".

وأشار إلى أن "مسيحيي المنطقة شرعوا في بناء الكثير من الأديرة المحصنة في القرنين الخامس والسادس"، وأقاموها في الجبال بعيداً من أطماع الغزاة.

موظفو البلدية يعملون داخل موقع ماتياتي الأثري. أ ف ب.

ماذا يوجد في المدينة المدفونة؟

ثم بقيت للأقبية فائدتها بعد الغزوات، على ما لاحظ المدير السابق لمتحف ماردين غني تاركان، مشيراً إلى أن مجموعات من الأدوات التي كانت تستخدم في الحياة اليومية، والمصنوعات الحجرية والزجاجية، والعملات البرونزية والمجوهرات، والمصنوعات الخزفية، استُخرجت من الدهاليز.

وأوضح أن "الناس واصلوا استخدام هذا المكان كمساحة للعيش حتى بعد توقف الهجمات، عندما أصبحت المسيحية الدين الرسمي للإمبراطورية البيزنطية".

وأضاف "استُخدِمَت بعض القاعات كسراديب الموتى، وكانت أخرى بمثابة مخازن للغلال".

موظفو البلدية يعملون داخل موقع ماتياتي الأثري. أ ف ب.

وعُثر أيضاً على عظام، وكذلك على آثار لحيوانات ومنتجات زراعية كانت تُخزّن في هذه الأقبية خلال عهد العثمانيين.

وأشار مروان ياوز إلى فتحات مستديرة كبيرة محفورة في الأقبية، بحيث توضع في ظلامها البارد جرار النبيذ التي كان يتم إنتاجها على سفوح التلال المحيطة ولا تزال إلى اليوم اختصاص المسيحيين السريان في ماردين.

مدينة ماتياتي الأثرية. أ ف ب.

وتعتزم بلدية مديات مواصلة أعمال التنقيب في الأماكن التي تأمل فيها كثيرا في جذب السياح، في هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها 120 ألف نسمة.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة