"Inside out 2" يحلق خارج عالم الطفل

في الجزء الأول من الفيلم الذي عُرض عام 2015، ظهرت المشاعر الخمسة التي سيطرت على "رايلي"، الفرح والحزن والغضب والاشمئزاز والخوف، لكنها تلاشت عندما تعرفت على القلق والحسد والإحراج والملل.

وتناضل "رايلي" لاستعادة إحساسها بذاتها قبل أن يغير القلق جوهرها، في رحلة مربكة للغاية، ويبدأ الفيلم مع فريق المشاعر الذي يتنقل في حياة رايلي بعد أن بدأت سن المراهقة واحتفلت بكعكة ميلادها الـ13، وبينما تستعد في الصباح للذهاب إلى لعب الهوكي رياضتها المفضلة، يبدأ إنذار في مقر المشاعر، يسمى "البلوغ" لترتبك المشاعر الأخرى وتتوتر، ويسود القلق.

ومثل الاحتلال، يتسبب "البلوغ" في السيطرة على رايلي، وطرد مشاعرها الطفولية، واستبدالها بأربعة مشاعر جديدة، نجمها الأول هو القلق، لتبدأ التقلبات المزاجية والصراعات الداخلية.

ويستعرض الفيلم ببساطة، كيفية سيطرة القلق على عقل شخص ما، ليقود طريقه ويسيطر على حياته، للدرجة التي جعلت "رايلي" تحول إحساسها الإيجابي في بداية الفيلم، إلى آخر سلبي.

وبسبب القلق المسيطر على رايلي تختار الانضمام إلى فريق الفتيات الأكبر سنا في رياضة الهوكي بمدرستها بدلا من أفضل صديقتين لها، وتتظاهر بأنها لا تحب فريق الصبية، رغم أنها وصديقاتها تحبهم حقا، كل ذلك لإثارة إعجاب واهتمام الفتيات الأكبر سنا.

ليقدم الفيلم هذه المشاعر المعقدة والأبعاد النفسية المتعددة، استعان بعدد من المستشارين في علم النفس، شاركوا في الإشراف على الرسائل التي يقدمها، ودفعوا العمل ليظهر بهذا الشكل في النهاية.

قال الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي في حديث مع بلينكس إن المشاعر المختلطة التي تباغت الإنسان في مرحلة البلوغ، لا تخضع فقط إلى طريقة تعامله معها، بل أن الأمر أعمق من ذلك بكثير، إذ يعود إلى الجينات المتغيرة التي سكنت جسدي والديه قبل إنجابه مباشرة، فضلا عن سلوك الوالدين تجاهه خلال نشأته وحتى لحظة هجوم المشاعر الجديدة عليه في فترة المراهقة.

ويضيف فرويز: "التغييرات التي يتعرض لها الطفل في سن النضوج متغيرة، وتعتمد على ثلاثة معايير، الأولى هي الجينات الوراثية غير الثابتة، فمثلا الطفل الذي يولد لأب وأم يعيشون حرب غزة حاليا، كانت جيناته ستختلف لو كان والديه يعيشان في سلام وبحياة مستقرة بعيدا عن الحرب، هذه الجينات المتغيرة التي تؤثر فيما بعد على حياة الطفل ومشاعره في مراحل النمو المختلفة".

ويوضح: "المعيار الثاني هو الأهم على الإطلاق، وهو علاقة الطفل في الوعي واللا وعي بأبيه وأمه، خاصة في مرحلته المحورية في عمره، الواقعة بين 4 إلى 14 عاما، حيث يمر بكل المتغيرات والمشاكل النفسية، والسلوكية، وأغلب كل ذلك يرتبط بعلاقة الطفل بالأب، كلما كانت طيبة كلما نتج للمجتمع طفلا سويا وجيدا، وكلما ساءت كلما زادت الاضطرابات والصدامات، وسوء السلوك".

ويقدم الفيلم الذي ترجمته ديزني بالعربية إلى عنوان "قلبا وقالبا" المشاعر المختلفة وهي تسيطر على حياة الطفلة رايلي التي تحولت إلى مراهقة فيما بعد، دون الإشارة إلى جيناتها وظروف حياة والديها، ونشأتها وتفاصيل أكثر في تعاملهما معها.

ويواصل فرويز: "المعيار الثالث هو الخبرات التي يكتسبها الطفل من المجتمع، فمن حوله هم الذين يتحكمون في مشاعره ويقودون طريقه، وهنا يمكن أن يتسرب القلق ويصاحبه دائما في وعيه ولا وعيه، في هذا الوقت تكون العلاقة السوية مع الأسرة هي الجيش الذي يتصدى للسلوكيات السيئة في مهدها، وتشكل سلاحا رادعا ضد كل المشاعر والسلوكيات السيئة".

ويركز الطب النفسي على القلق الذي يصيب البنات في مرحلة البلوغ، إذ يشدد فرويز على أن الرعاية والاهتمام والنصح الموجه إلى الطفلة عندما تتحول إلى مراهقة في غاية الأهمية، لأنه في بعض المجتمعات يوتر الأهل ابنتهم، ويخبئونها عندما تحدث لها تغيرات فسيولوجية، بل أن الأمر يصل أحيانا إلى الاعتداء بالختان لكبح جماحها وأنوثتها على حد فهمهم.

فتح فيلم ديزني عام 2020، "Soul" نقاشا واسعا حول تقديم الشركة التي اشتهرت بأفلام الأطفال والرسوم المتحركة، نوعا جديدا لا يتناسب كليا مع الصغار، ويستهدف الكبار والمراهقين.

فيلم "Soul" ناقش الكثير من الأفكار الوجودية والهدف والمعنى من الحياة، وتحدث عن العديد من الأشياء التي يثقل على الأطفال استيعابها في عرض رسوم متحركة، الأمر الذي جلب الكثير من الانتقادات لديزني.

وجاء فيلم "Inside out 2" ليكمل ما بدأه الجزء الأول، ويؤكد أن ديزني لم تعد تهتم فقط باستهداف الأطفال في أفلامها، إذ قدمت عرضها يشبه الأشعة التلفزيونية على أعماق الإنسان غير المرئية.

يشاهد الكبار والمراهقين الفيلم مع الصغار، ويجدون أنه يناسبهم، ويحلل شخصياتهم في الكثير من الأحيان، ويذكرهم بما مروا به في مراحل الطفولة والنضوج المختلفة.