معرفة
.
لا تعرف أم علي من وسائل التواصل الاجتماعي سوى اليوتيوب الذي يرجع له الفضل في مساندة ابنها على تجاوز سنوات الجامعة بنجاح، وهو الطالب المتغيّب طوال أيام الدراسة، والحاضر بفعالية في محركات البحث.
ينطلق العام الجامعي الجديد في اليمن، لينضم الطالب علي، لكلية الطب والجراحة بجامعة صنعاء، إلى الآلف الطلاب اليمنيين في الجامعات الحكومية والخاصة، الذين اختاروا اليوتيوب فضاء تعليمي موازٍ للجامعات، فلماذا يعتبر الشباب الجامعي اليوتيوب جامعة بديلة؟
توضح أم علي لبلينكس أن ابنها الطالب في السنة الرابعة، ينتابه القلق مع بداية كل عام دراسي جامعي من انضباط الجدول التعليمي، وتغيب الدكاترة وضعف جودة التعليم الأكاديمي، وغياب التطبيق العملي، يضاف لها الصراعات القبلية التي تجبره على قضاء أغلب الوقت في قريته "قيفه "بمحافظة البيضاء، وسط اليمن.
وتضيف أن علي، الذي يصفه أقرباءه بالشيخ الدكتور، يحرص على حضور المحاضرات، وأحيانا يتفاجأ أثناء شرح الدكتور باتصال من أقربائه يدعوه للنكف القبلي، وهو عرف سائد لتجميع أبناء القبيلة للقتال.
تؤكد أم علي أن تخصص الطب لا يتناسب مع التزامات ابنها، لكن اليوتيوب ساعده في فهم الشرح وسهل له النجاح، ملمحة إلى أن وجود دكتور في القبيلة، يعني حضور اجتماعي لائق وتحقيق لرغبة والده المتوفي بأن يصبح ابنها جرّاح قلب.
أستاذ اللغات بجامعة صنعاء، أحمد الأحمر، يوضح أن اليوتيوب أصبح معلم أساسي في المحاضرة، حيث ينصح طلابه بعد كل محاضرة بتعزيز المعرفة بقنوات التعليم في اليوتيوب، كون التعليم الإلكتروني يمكّن الطالب من اختيار الطريقة والوسيلة المناسبة للاستيعاب، ويعتبر أن اللجوء للتعليم عبر اليوتيوب، مهم في عالم متغيّر في الوسائل التعليمية.
الطالب الجامعي عباس يصف لبلينكس قنوات اليوتيوب التعليمية بأنها "عفريت العلم" الذي بسّط له شرح محاضراته الجامعية المعقّدة، ووفّر له المعلومة بأقل جهد وأسرع وقت.
يقول عباس إنه بالحظ والدعاء وحضور اليوتيوب، يتجاوز طلاب الجامعات اليمنية عقدة الامتحانات الجامعية.
صورة تعبيرية لتلميذ يتعلم عن بعد. Getty Images
ويوضح عباس أنه واحد من الكثير الذين يعتمدون على اليوتيوب في التحصيل العلمي، ويعتبرونه جامعة مفتوحة تواجه تراجع جودة التعليم العالي الذي شهد تدهورا ملحوظا فرضته الحرب وتداعياتها.
ويوضح الشاب العشريني أن تخصصه في قسم تقنية المعلومات (IT) يفرض عليه اللجوء لقنوات اليوتيوب لاكتساب المزيد من المعلومات، كون تطوير تطبيقات الموبايل وهياكل البيانات والخوارزميات وغيرها من المواد، تحتاج إلى شرح متعمّق ما يدفعه وزملاءه للجوء إلى اليوتيوب لفهم المادة، خاصة مع غياب التطبيق العملي في جامعته التي ينصحهم فيها أستاذ المادة، للجوء إلى اليوتيوب للتعمق.
وتتفق معه طالبة قسم التخدير بكلية الطب، دعاء (اسم مستعار) وتصف اليوتيوب بالصديق المخلص الذي تعتمد عليه بشكل كبير، خاصة ان أساتذة الطب في جامعة صنعاء، الجامعة الحكومية الأولى في اليمن، تتفاوت امكانياتهم في إيصال المعلومة، إضافة إلى عدم التزامهم بحضور المحاضرات ما يجبر الطالب للجوء لليوتيوب لتكملة النقص في إيصال المعلومة.
وتضيف أنها تعتمد على القنوات التعليمية في التعمّق في التشريح والإحصاء الطبي والتغذية الكيميائية وغيرها.
يختلف طالب كلية التجارة، أحمد شملان، مع رأي دعاء وعباس، ويسرد طريقة التحصيل العلمي للمواد الصعبة في كليته حيث يعتمد الطلاب في الكلية على زملائهم المجتهدين، ويتفقوا على عمل حصص تعليمية بعد المحاضرات يشرح فيها المتفوقون لزملائهم من دون اللجوء لقنوات اليوتيوب التي من وجهة نظره تشتت الطالب بغزارة المعلومات.
ويرجع أحمد 25 عاما، أسباب عدم الاعتماد على اليوتيوب إلى أن مواد كلية التجارة لا تحتاج إلى تطبيق عملي، وهي من الكليات النظرية التي تعتمد على التحصيل الذهني، بحسب قوله لبلينكس.
توصلت دراسة علمية حديثة أواخر نوفمبر 2023، إلى أن فيديوهات المحاضرات هي الأكثر مشاهدة من قبل طلبة كليات الطب البشري، من بين الفيديوهات العلمية التي يقدمها موقع اليوتيوب، ثم الفيديوهات العلمية الخاصة بالعمليات الجراحية، ثم فيديوهات التجارب العلمية المختلفة، ثم فيديوهات التشريح.
وبينت الدراسة أن 80% من الطلبة يستخدمون موقع اليوتيوب بشكل دائم للحصول على المعلومات العلمية.
في حين اختلفت نتائج دراسة سابقة أجريت قبل 10 أعوام للتعرف على استخدامات طلاب جامعة صنعاء لليوتيوب والاشِباعات المتحققة لهم، كون الشباب من أكثر المستخدمين لمواقع الشبكات الاجتماعية، وبينّت أن استخدام طلاب جامعة صنعاء لموقع اليوتيوب متوسط، حيث يبحث عن اليوتيوب من ساعة فأقل، 82.4%.
وأن نسبة كبيرة، 76% من طلبة جامعة صنعاء بمختلف الكليات والمستويات التعليمية ليس لديهم المعرفة الكافية باليوتيوب.
وبينت الدراسة أن البرامج الفكاهية هي في مقدمة المضامين التي يفضلها طلاب جامعة صنعاء، ومتابعة الأخبار والبرامج الرياضية والمباريات. كذلك بيّنت أن طلبة الكليات الإنسانية، هم أكثر استخداما لليوتيوب مقارنة بطلبة الكليات العلمية.
بحسب إحصائيات غير رسمية، بلغ عدد مؤسسات التعليم العالي في اليمن حتى نوفمبر 2023، 95 جامعة وكلية منها 21 جامعة حكومية، و74 جامعة وكلية أهلية، يتخرج منها نحو 40 ألف طالب وطالبة سنويا.
وتحتضن جامعة صنعاء، أول جامعة أنشأت في اليمن، 85 طالب يتوزعون على 21 كلية، وتضم 2600 كادر تعليمي غادر أكثر من نصفهم اليمن بعد الحرب.
ويشهد التعليم العالي ارتفاع الرسوم الدراسية في الجامعات الحكومية التي تقبل عددا محدودا في النظام العام (المجاني)، مقابل قبول أعداد كبيرة في النظامين الموازي والخاص (المدفوع)، حيث تبدأ أسعاره من 1200 دولار إلى 6000 دولار مع تدهور جودة التعليم الأكاديمي، كما غابت الجامعات اليمنية عن أحدث تصنيفات "كيو إس" العالمية 2024، وهي شركة بريطانية لتحليلات التعليم العالي.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة