بعد 5 قرون.. كولومبوس يثير الجدل في أوروبا والأميركتين

ولحل اللغز أجرى خبراء أبحاثا استمرت 22 عاما بقيادة خبير الطب الشرعي ميغيل لورينتي من خلال فحص عينات صغيرة من رفات مدفون في كاتدرائية إشبيلية، والتي تقول السلطات هناك منذ فترة طويلة إنها المثوى الأخير لكولومبوس، لكن هناك من يطعن في تلك الرواية.

وقارن الباحثون هذه العينات بعينات من أقارب وأحفاد معروفين لكولومبوس وأعلنوا ما توصلوا إليه في فيلم وثائقي بعنوان "حمض كولومبوس النووي: الأصول الحقيقية" أذيع السبت على قناة تي.في.إي الإسبانية.

وقال لورينتي في البرنامج "لدينا الحمض النووي من كريستوفر كولومبوس، كمية صغيرة جدا ولكنها كافية. ولدينا الحمض النووي لهيرناندو كولون ابنه... هناك سمات متوافقة مع الأصل اليهودي".

كان نحو 300 ألف يهودي يعيشون في إسبانيا قبل أن يأمر الملكان الكاثوليكيان، إيزابيلا وفرديناند، اليهود والمسلمين بالتحول إلى العقيدة الكاثوليكية أو مغادرة البلاد. واستقر العديد منهم في جميع أنحاء العالم. وتأتي كلمة سفارديم من سيفاراد، أو إسبانيا بالعبرية.

وبعد تحليل 25 مكانا محتملا، قال لورينتي إنه من الممكن فقط القول إن كولومبوس ولد في أوروبا الغربية، وفق ما نقلته رويترز.

وقال لورينتي يوم الخميس إن نتائجهم أكدت النظريات السابقة التي تفيد بأن الرفات الموجود في كاتدرائية إشبيلية هو لكولومبوس.

توفي كولومبوس في بلد الوليد بإسبانيا عام 1506، لكنه كان قد أوصى بدفنه في جزيرة إسبانيولا التي تتقاسمها اليوم جمهورية الدومينيكان وهايتي. نُقل رفاته إلى هناك عام 1542، ثم إلى كوبا عام 1795، ثم إلى مثواه الأخير في إشبيلية عام 1898، كما يُعتقد منذ فترة طويلة.

الرحالة كولومبوس أبحر من السواحل الأوروبية غربا في عام 1492 ليكتشف لأول مرة الأميركتين الشمالية والجنوبية، ويعود إلى أوروبا ليُخبر الجميع، وتبدأ رحلات الهجرة.

وعرفانا بالدور الذي لعبه كولومبوس، تحتفل الدول في أميركا الشمالية وكذلك الجنوبية بما يسمى "يوم كولومبوس" في الثاني عشر من أكتوبر كل عام، بينما تحتفي الولايات المتحدة بيوم الإثنين الثاني في بداية شهر أكتوبر.

وجاء كولومبوس من مدينة "جنوة" الإيطالية، وحظي بدعم الحكام في إسبانيا لتمويل رحلته، ليُصبح أيقونة المجتمع الأميركي، وتبنى الأميركيون من أصل إيطالي مهمة تخليد ذكراه وتكريمه والاحتفال بيوم الاكتشاف.

وتشير موسوعة "بريطانيكا" إلى أن الدافع الرئيسي لاعتبار "يوم كولومبوس" عيدا وطنيا في الولايات المتحدة، هو إعدام 11 أميركيا من أصل إيطالي في نيو أورليانز عام 1891 من دون محاكمة، ما تسبب في مشاعر معادية للمهاجرين وأحداث عنف واسعة.

ونشر البيت الأبيض بيانا يوم الجمعة 11 أكتوبر، لإحياء ذكرى "يوم كولومبوس" الذي كان يُحتفل به يوم 12 أكتوبر من كل عام حتى عام 1971، وبعدها تغير الموعد إلى يوم الإثنين الثاني بداية شهر أكتوبر.

وقال البيت الأبيض إن أميركا تفخر بتاريخ الأميركيين الإيطاليين الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة قبل قرون وساهموا في تشكيل "روح البلاد"، موجها رسالة إلى الأميركيين الإيطاليين الحاليين الذين جاءوا حديثا أو أبناء المهاجرين القدماء، معتبرا أنهم كانوا الأمل نحو المستقبل المشرق، وساعدوا في بناء أميركا.

وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم الإثنين "يوم كولومبوس"، موجها بعرض علم الولايات المتحدة على جميع المباني العامة في البلاد لإحياء الذكرى، ولتكريم كل من ساهم في تشكيل أميركا.

مثل العامة، يختلف الزعماء في الأميركتين بشأن تأثير رحلة اكتشاف كولومبوس على أراضيهم، وهل كان ذلك سببًا في بناء الحضارة هناك، أم أن هناك بعض الأمم السابقة هي التي مهدت للتقدم والتطور الحالي.

الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، قال في بيان احتفالي بيوم كولومبوس، إن التواصل مع الأوروبيين هو الأمر الذي جلب الحضارة إلى الأميركتين، ليتعرض لانتقادات من أولئك الذين يقفون في الصف الآخر.

وقال مكتب الرئيس الأرجنتيني إن كولومبوس كان بداية رحلة التنوير التي طالت بلاد أميركا الجنوبية ومنها الأرجنتين، ونشر على موقع "إكس" مقطعا احتفاليا ليؤكد على نظريته.

وأعاد الرئيس الأرجنتيني فتح الجدال الواسع الممتد منذ قرون، حول أهمية اكتشاف كولومبوس، وهل كان له التأثير الإيجابي بالفعل أم كان سلبيا، وهل جلب معه الاحتلال إلى بلاد الأميركتين، أم أن الأمر كان مجرد هجرة.

ويعتقد المنتمون إلى التيار اليساري في أميركا اللاتينية أن الثقافات الأصلية في المنطقة كانت أساسا لكل شيء، وليس كولومبوس والهجرة التي تلت اكتشافه.

وعلقت رئيسة المكسيك، كلاوديا شينباوم، السبت 12 أكتوبر، في خطاب رفضت خلاله ما قاله الرئيس الأرجنتيني، نظرا لأنها تتبع التيار اليساري الذي لا يعترف بما قاله ميلي.

وقالت شينباوم: "لقد أخبرونا على مدار سنوات بأنهم جاءوا إلى هنا ليجعلونا متحضرين، لا، لقد كانت لدينا ثقافات عظيمة هنا بالفعل قبلهم".

وشارك رئيس فنزويلا في الجدل الدائر حول "كولومبوس" ليعلق على ما نشره الرئيس الأرجنتيني ساخرا: "هل رأيتم ما نشره؟ يعتبرون أن ذلك اليوم العظيم هو الذي جعلنا متحضّرين، يحاولون فرض روايتهم الزائفة".

وحولت فنزويلا "يوم كولومبوس" إلى "يوم المقاومة من الشعوب الأصلية"، إذ لا تريد الدولة الواقعة في شمال أميركا اللاتينية الاحتفال باكتشافات الأوروبيين لأراضيهم بعد الآن.