لايف ستايل

كوابيس "أبوكم مين" تعود لملاعب السودان

نشر

.

Mussab Gasmalla

أصوات رصاص ومدافع في شوارع السودان وطائرات لقوتين مسلحتين تتبادلان القصف، ويُسمع صوتها في المنازل التي بقي غالبية سكانها في أماكنهم، لكن صداها كان مؤثرا بدرجة أكبر على الملاعب.

فماذا يحدث هناك؟

تماماً مثلما يحدث مع اندلاع أي حرب في أية دولة في العالم، علّق الاتحاد السوداني لكرة القدم النشاط الرياضي لأجل غير مسمى بسبب الوضع الأمني الراهن، وتبعته جميع الاتحادات الرياضية الأخرى.

اندلع اقتتال بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، شبه العسكرية، التابعة للجنرال محمد حمدان دقلو. في وقت لا تزال فيه هذه الاشتباكات مستمرة حتى الآن.

تأتي هذه الأحداث مع اقتراب الدوري السوداني الممتاز من نهايته، إذ وصل حتى الآن للجولة 28 مع تبقي 6 جولات على الختام، ويتصدره الهلال برصيد 53 نقطة بفارق ٥ نقاط عن المريخ، مع لعب الأخير مباراة أقل.

تنبع المخاوف من طبيعة الحرب الجارية الآن، والتي تدور رحاها في العاصمة الخرطوم، ودخولها اليوم الثالث، مع غياب أي بوادر للتهدئة أو نهايتها.

الخبر الجيد: لا ارتباطات قريبة

ربما يبدو الجانب الإيجابي هو عدم وجود ارتباطات قاريّة في هذا الشهر أو مايو المقبل، وذلك بعد خروج جميع الأندية السودانية من المسابقات القارية، لكن يتبقى الهلال فقط في البطولة العربية للمنافسة على كأس الملك سلمان للأندية الأبطال، إذ يواجه الصفاقسي التونسي في العاشر من يونيو المقبل باستاد أم درمان.

أما على صعيد المنتخب الوطني، يستعد صقور الجديان لاستضافة شقيقه الموريتاني في الـ 12 من يونيو المقبل، في تصفيات أمم أفريقيا، ويمتلك حظوظاً في التأهل، إذ يحتل المركز الثاني في مجموعته برصيد 6 نقاط خلف الغابون المتصدر بـ٧ نقاط.

الخبر السيئ: حرب طويلة

انطلاقاً من الوضع الحالي وبالعودة إلى المخاوف، فإن أكثر ما تخشاه الكرة السودانية أن يطول تعليق الدوري المحلي مع إطالة أمد الحرب، إذ يعتمد المنتخب السوداني على لاعبي الدوري الممتاز، وخصوصاً نجوم الهلال والمريخ، إذ لا يتواجد في صفوف كتيبة مدرب المنتخب بادو الزاكي سوى محترفَين فقط، هما شرف الدين شيبوب، لاعب الطلبة العراقي، وسيف تيري لاعب فاركو المصري.

حل الفيفا سهل

في سيناريوهات مشابهة، يسمح الاتحاد القاري الأفريقي، كاف، والاتحاد الدولي، فيفا، للمنتخب الذي يعاني من مشكلة باللعب في دولة أخرى بسبب هذه الظروف، ليقوم مدرب المنتخب المعني بتجميع المنتخب والاعتماد بشكل أكبر على المحترفين في الخارج.

.. لكن "أبوكم مين؟"

في الوقت الذي يفكر فيه المهتم بكرة القدم السودانية، في مآلات الوضع الحالي، وإمكانية تمدد الحرب زمنياً، وعدم عودة النشاط إلى وضعه الطبيعي، يأتي في ذاكرته مباشرة كابوساً مزعجاً يعود للعام ١٩٧٦.

خلال مباراة بين الهلال والمريخ في 24 أبريل، على "كأس الثورة التصحيحية" احتسب الحكم قراراً بطرد حارس المريخ وقتها الطيب سند، عقب مشادات وتوقف للمباراة لنحو نصف ساعة، قبل أن تعود بعدها وتلعب.

انتهت المباراة بفوز الهلال بهدف مهاجمه علي قاقرين، قبل أن تردد جماهير الهلال هتافاً اعتبر سياسياً وقتها "أبوكم مين؟ علي قاقرين"، وهو نسج على منوال هتاف مشهور، كان منتشراً وقتها عن الرئيس السوداني الراحل، جعفر النميري، وهو "أبوكم مين؟ نميري".

تسبب ذلك الهتاف المزعج للسلطات في قرار من وزير الرياضة وقتها، زين العابدين محمد أحمد عبدالقادر، بتجميد كل المنافسات، وإيقاف سفر الوفود إلى الخارج، وتسريح جميع اللاعبين من فرقهم، وتجميد حسابات الأندية والاتحادات، والتحول إلى ما يسمى بـ "الرياضة الجماهيرية"، وهو أن تمارس الرياضة داخل المناطق السكنية فقط.

ترتبت على هذه القرارات، هجرة أبرز المواهب الرياضية السودانية، وانضمامها إلى الدوريات الخليجية ودوريات المنطقة، لينهي القرار حقبة تألق كبير للكرة السودانية، بدأت بوصول منتخب السودان لنهائي بطولة كأس الأمم الأفريقية بغانا في 1963، ثم الهلال للدور قبل النهائي من بطولة أندية أبطال أفريقيا 1964 من أول مشاركه له، والتأهل لنهائي بطولة المنتخبات العربية في 1965.

وتوالت نجاحات الكرة السودانية، بتحقيق منتخب السودان لبطولة كأس الأمم الأفريقية في 1970 بالخرطوم، ثم تأهل المنتخب لنهائيات كرة القدم بدورة الألعاب الأولمبية بميونخ في 1972، كما واصل المنتخب السوداني تواجده القاري بوصوله لنهائيات كأس الأمم الأفريقية 1976 بإثيوبيا.

قبل أن يقضي هذا القرار على حظوظه بالتطور.

هل فعلاً الوضع مقلق بالنسبة للكرة السودانية؟

من خلال التجارب المماثلة والحديثة، يبدو الأمر مقلقاً، لا سيما مع الضبابية التي تغلف المشهد السياسي السوداني حالياً.

وفي مصر على سبيل المثال، انعكس قرار إبعاد الجماهير عن المدرجات، بعد مذبحة بورسعيد في 2012 في تراجع المنتخب المصري، الذي كان مهيمناً قبلها على كأس الأمم الأفريقية، على الرغم من اختلاف الحالة المصرية عن الوضع في السودان حالياً، إذ كانت تلك الحادثة في ظل مستجدات سياسية، وليس حرباً بين طرفين مسلحين مثلما يحدث الآن في الخرطوم.

تبدو التجربتان السورية والليبية الأقرب للحالة السودانية، إذ عانى كلا البلدين من حروب أهلية، لينعكس ذلك على تراجع كرة القدم، وحرمان أنديتها من المنافسات الخارجية في القارتين السورية والليبية بفعل توقف النشاط المحلي، كما غابت الأحداث الرياضية الأخرى لفترات متفاوتة، وحتى بعد أن عادت، جاءت باهتة داخل ملاعب مغلقة.

بالنسبة للسودان، يبدو أن هذا التوقيت سيئ للغاية، إذ بدأت الآن فعلياً بوادر طفرات سواء في قطبي الكرة الهلال والمريخ، أما المنتخب فعيّن مؤخراً الخبير المغربي بادو الزاكي لرسم مستقبل صقور الجديان الكروي، إذ يطمح لتكرار صعوده إلى كأس الأمم الإفريقية للمرة الثانية توالياً، بعد مشاركة مخيبة في النسخة الماضية.

ما بين المخاوف من المستقبل والوضع المتأزم حالياً، تتضرع الأيادي المحبة للسودان إلى الله تعالى بأن تضع الحرب أوزارها، حتى تعود الأوضاع في البلاد إلى ما كانت عليها، لتستعيد كرة القدم مسيرها الطامح إلى مسح خيبات سابقة وإبدالها انتصارات وإنجازات جديدة، تبدأ من التأهل إلى نهائيات "كان 2025" في ساحل العاج في يونيو من العام المقبل.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة