في بلاد ينسب إليها اختراع لعبة كرة السلة وتستحوذ كرة القدم الأميركية على شغف سكانها، بدأت مؤخراً مشاهد من قبيل تزيين قطارات الأنفاق والمواصلات العامة بشعارات أندية الدوري الإنجليزي لكرة القدم أمراً مألوفاً في الولايات المتحدة، وهو أمر عاد على البطولة الإنجليزية بالكثير من النجاحات المالية والترويجية، فيما كانت خلفه الكثير من العوامل والأسرار.

من ملايين فوكس إلى مليارات إن بي سي

حتى عام 2010، كان الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم مثل غيره من الدوريات الأخرى في عالم الساحرة المستديرة، تقوم قناة فوكس نيوز الأمريكية ببث مبارياته بغرض الترفيه والتنوع، مقابل مبلغ مالي زهيد لا يتجاوز الـ 100 مليون دولار عن الـ 3 مواسم.

استمر الأمر كذلك حتى صيف 2012، موعد الاجتماع الشهير الذي ضم الرئيس التنفيذي لرابطة الدوري الإنجليزي الممتاز السابق ريتشارد سكودامور مع المسؤولين في قناة "إن بي سي" الأميركية، لينتهي الاجتماع بمنح هذه القناة حقوق بث البريمييرليغ بدلاً من قناة فوكس نيوز بداية من موسم 2013 ـ 2014.

وصفت "تليغراف البريطانية" هذا الاتفاق بأنه "أحد أهم إنجازات ريتشارد سكودامور خلال رئاسته لرابطة البريمييرليغ طوال 19 عاماً، والثاني له عقب تسويقه البطولة لمشغلي سكاي سبورتس وبي تي سبورتس".

نجاح سكودامور يعود لخبراته التفاوضية، في إقناع القناة الأميركية بقدرة البريمييرليغ على جذب الكثير من المشاهدين، بفضل خطط تطوره، ليجني الدوري نظير ذلك الكثير من الأرباح.

٣٠ مليون متابع جديد

يبدو أن الوعود الإنجليزية أوفت بالفعل للقناة، إذ تصاعدت شعبية البطولة وكرة القدم في بلاد اليانكي بشكل مضطرد، وذلك منذ بداية بث "إن بي سي" للبطولة عام 2013.

وبحسب مؤشر "نيلسون سبورتس" فإن شعبية البريمييرليغ ارتفعت في أمريكا بنسبة 20% منذ استحواذ (إن بي سي) على بث مبارياته بشكل حصري قبل نحو 10 سنوات من الآن.

يبلغ عدد جماهير الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم ومتابعيه في أمريكا حالياً، 30.6 مليون مشجع، ما عزز من اشتراكات القناة الناقلة وانعكس بالتالي أرباح البطولة.

كم تبلغ عوائد البريميرليغ في أمريكا؟

منذ اجتماع سكودامور مع الرئيس التنفيذي لقنوات (إن بي سي) جون ميلر في منهاتن في 2012، ارتفعت قيمة بث البطولة مما هو دون 100 مليون دولار في 3 مواسم، إلى العقد الحالي والذي يبلغ 2.7 مليار دولار من القناة للدوري الإنجليزي، وهو نصف المبلغ الذي يجنيه البريمييرليغ من بث مبارياته لجميع دول العالم.

يرتبط الطرفان بعقود بث حتى 2028، إذ ما أن ينتهي العقد الحالي في 2025، حتى يدخل العقد الآخر 2025 ـ 2028، حيز التنفيذ، وسط توقعات بطفرة أخرى في العقد الجديد لما بعد 2028.

اعرف أكثر

سر سخاء "إن بي سي"

إلى جانب تحقيقها الأرباح المالية من زيادة مشتركيها، يبدو أن قناة إن بي سي وجدت ضالتها في البريمييرليغ، والذي من الواضح أنه حقق لها ما عجزت عنه الاستراتيجيات الأميركية السابقة عن تحقيقه.

بداية من السبعينيات كانت هناك خطة أميركية واضحة لتعزيز كرة القدم في بلاد العم سام، مثلما هو الأمر في الضفة الأخرى للأطلسي حيث موطن البريمييرليغ. من أجل ذلك شجعت رابطة الدوري الأمريكي لكرة القدم، السوكر، أندية البطولة على استقطاب كبار اللاعبين، وبدأ ذلك نيويورك كوزموس بجلب الأسطورة البرازيلي الراحل بيليه.

بعد بيليه انتظم الكثير من النجوم في المجيء إلى الدوري الأميركي أبرزهم ديفيد بيكهام، وواين روني ولامبارد وإبراهيموفيتش، وأخيراً غاريث بيل وتشيتشاريتو. كان الهدف الأبرز وراء ذلك هو تطوير المنتخب الأميركي، والذي يبدو أنه يسير في الطريق الصحيح، بظهوره المستمر في كأس العالم مؤخراً، كما ظل منتخب السيدات يهيمن على مونديال السيدات مؤخراً.

تستعد أمريكا أيضاً لاستضافة مونديال 2030 مع كندا والمكسيك، إذ يتوقع أن تنعكس كل هذه النجاحات على زيادة شعبية الكرة في أمريكا أكثر مما هي عليه، لتجني القناة المزيد من الأرباح.

الزحف الأميركي المقدس

إلى جانب كل هذه الحقائق، هناك جانب آخر، يبدو متصلاً بتأثير البريمييرليغ على العقل الكروي الجمعي في أميركا. إذ تعيش الكرة الإنجليزية الآن، حالة من تدفق الاستثمارات الأميركية على أنديتها، والتي كان آخرها الملياردير تود بويلي الذي استحوذ في صيف 2022 على تشيلسي مقابل 3 مليارات دولار.

إجمالاً، بلغت الأندية المملوكة كلياً لمستثمرين أمريكيين 5 أندية في الدوري الإنجليزي الممتاز، فيما يمتلك آخرين استثمارات وأسهم في نفس هذا العدد من أندية البريمييرليغ.

أما في بقية الدرجات الصغرى في إنجلترا، فيمكن ملاحظة زيادة عدد المستثمرين الأميركيين، إذ بلغ عدد الأندية التي يوجد بها استثمارات كلية أو جزئية نحو 15 نادياً.

هذا غير الأندية المملوكة لمستثمرين أمريكيين في الدوري الوطني الإنجليزي، ومن أبرزها نادي ريكسهام الويلزي، والذي يملكه ثنائي هوليوود ريان رينولدز وروب ماكليني، والذي صعد أمس السبت إلى دوري الدرجة الثانية.