لايف ستايل

إرث مارداونا وعبقرية سباليتي.. كيف استعاد نابولي الدوري بعد 33 عاما؟

نشر

.

Mussab Gasmalla

إذا شعرت بالدهشة من الاحتفالات الجنونية لجماهير نابولي الإيطالي ليلة البارحة بعد تتويج فريقها بلقب الدوري الإيطالي لكرة القدم (الكاليشيو)، فأنت على حق، ربما، وذلك لكونها لم تكن فرحة جماهير عاشقة لفريق نابولي أبهجها استعادته لقب غاب عنه لـ 33 عاماً، وإنما الأمر أكبر من ذلك، إذ يتعلق بجرعة معنوية لعاصمة الجنوب الإيطالي، والتي تعتبر اللقب بمنزلة مكسب جديد لها في حربها التنافسية التاريخية مع الشمال الإيطالي.

خصوصية واختلاف

إذا قدر لك زيارة نابولي، ستلحظ، على الأرجح، ميلهم إلى إثبات اختلافهم عن بقية مدن إيطاليا، بداية بكرمهم ودفء استقبالهم وسعادتهم بزوارها، متمنين له إقامة أطول في المدينة الوادعة التي بنيت على منحدرات بركان جبل فيزوف الخامد، والذي يهدد بنسفها في أي وقت إذا ما ثار.

سبب خصوصية نابولي وسكانها في إيطاليا راجع إلى تاريخ المدينة نفسها، والتي كانت مملكة مستقلة، قبل أن تنضم لمملكة الصقليّتين في الفترة من 1816 ـ 1817، وتصبح عاصمتهما، ومنحها هذا الأمر هوية خاصة لا تزال تميزها في الموسيقى ونمط العيش، قبل أن تضمها إيطالياً فيما بعد.

ومنذ تلك اللحظة باتت نابولي كمدينة في الجنوب الإيطالي ترى نفسها في تنافس خفي بينها وبين بقية مدن الشمال الإيطالي، في وقت ظلت يشعر فيها (النابولتانيون) بالتهميش ونقص التقدير من قبل إيطاليا بشكل عام.

وصول مارادونا

سرعان ما انتقل إحساس التهميش المتعمد إلى عالم كرة القدم، فالدوري الإيطالي منذ عقود طويلة ظل حكراً على الكبار (يوفنتوس، إنتر وميلان)، فيما كانت فرق مثل روما ولاتسيو ونابولي نادراً ما تنجح بمنافستهم أو التسبب في إزعاجهم.

في 1984 كانت نابولي على موعد مع حدث، سيغير تاريخها إلى الأبد، وذلك عندما أعلن رئيس نابولي السابق كورادو فيرليانو تعاقده مع النجم الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا، قادماً من برشلونة.

وسرعان ما نفذ مارادونا بفعل عبقريته وشخصيته المتمردة إلى أعماق الشخصية (النابولتانية)، إذ بدأ في الاندماج معهم، والعزف على وتر التهميش من الشمال الإيطالي، وضرورة هزيمة ذلك من بوابة الكرة.

وحبب ذلك الأمر مارادونا أكثر لدى مشجعي نابولي، حتى أن رئيس النادي وقتها فدرلينانو وصف النجم الأرجنتيني بأنه (أرجنتيني ـ نابوليتانو)، ليبدأ مارادونا في تحقيق وعوده، إذ قاد نابولي لتحقيق لقب الكالتشيو لأول مرة في تاريخه، في موسم 1986 ـ 1987.

وبعد عامين كرر مارادونا الإنجاز نفسه مع النادي، ومنحه لقب آخر في موسم 1989 ـ 1990، وكان الأخير للنادي، قبل لقب أمس، ليتحول معه إلى أسطورة حية في النادي.

وطوال 30 عاماً ظل مارادونا ملكاً في نابولي، لم تبارح صوره شوارع النادي، كما كان بطلاً قومياً في كل مرة يزور فيها نابولي، حتى وفاته في 2020.

وحتى بعد وفاته، ظل إرثاً وأسطورة في نابولي، حتى لحظة الفوز أمس باللقب، ظل الأكثر حضوراً، كما احتفلت الجماهير باللقب الذي تحقق على بعد 500 ميل منها، وتحديداً في أودينيزي، داخل ملعب دييغو أرماندوا مارادونا، الذي سمي باسمه تخليداً له بعد وفاته، كما يوجد مقر خاص وتمثال له في المدينة بات بمنزلة مزار للسياح وكل القادمين لنابولي.

وحتى الآن ينظر إلى مارادونا بأن إرثه الذي خطه في النادي، هو سبب الفوز مجدداً باللقب، وإن تأخر 33 عاماً، وذلك بعد كسره هيمنة الكبار مرتين، حتى أن هذه الـ33 عاماً من الغياب، تعتبر بحسبة مارادونا 13 عاماً فقط، وذلك عطفاُ على تصريحه الشهير بعد فوزه باللقب الثاني مع نابولي، والذي قال فيه إن "لقب نابولي يساوى 10 ألقاب ليوفنتوس".

حنكة دي لورينتيس

بعد سنين مارادونا بإنجازاتها وبريقها، مرّ نابولي بفترة تدهور مريع، انتهى به إلى الإفلاس في 2004، قبل أن يستحوذ عليه المنتج السيمنائي أوريليو دي لورينتيس، ويبدأ في مرحلة ترميمه بحنكة كبيرة.

ووضع دي لورينيتس خطة متدرجة لإعادة نابولي إلى أمجاده، بدأها بتقليل الانفاق وتحقيق نتائج على المدى البعيد، قبل أن يصل الفريق رويداً رويداً إلى الذروة ويجلس على المجد، والذي يبدو أنه تحقق فعلياً أمس، بعد التعادل 1 ـ 1، والفوز باللقب قبل خمس جولات من نهاية البطولة.

وقبل ذلك، احتل نابولي وصافة الدوري الإيطالي 3 مرات، فيما فاز بكأس إيطاليا 3 مرات، وشارك في المسابقات الأوروبية المختلفة لـ 13 مرة توالياً.

وتجلت حنكة دي لورينتيس بقوة عندما راهن على المدرب ماوريسيو ساري في 2015، والذي لم تكن لديه سوى خبرة تدريب لعام واحد في الكالتشيو مع إمبولي، ووفر له دي لورينتيس كل سبل الدعم.

ونجح ساري في بناء فريق مميز، وكان قريباً جداً من الفوز بلقب الدوري 2018، لكنه احتل الوصافة رغم جمعه 91 نقطة، وهو لا يزال يعتبر أحد الأبطال غير المتوجين في تاريخ الدوريات الأوروبية.

واستفاد دي لورينتيس في خطته من أموال بيع لاعبين مثل غونزالو هيغواين ليوفنتوس ولافيتزي وكافاني لباريس سان جيرمان، إذ ساعدته على وضع اللبنات الأولى للنجاح الحالي.

وفي الصيف الماضي، كرر الأمر ذاته، إذ وظف أموال بيع خاليدو كوليبالي لتشيلسي لورينزو إنسيني إلى الدوري الكندي في شراء مواهب مميزة ورخيصة الثمن، وعلى رأسهم الجورجي كفاراتسيخيليا والكوري الجنوبي كيم مين جاي، ليشكلوا مع النيجيري فيكتور أوسيمين وبقية كتيبة المدرب سباليتي لوحة رائعة تعزف ألحاناً كروية طروبة داخل الملعب، كما نجح دي لورينتس في تخفيض الأجور بنسبة 30 إلى 35%.

عبقرية سباليتي

في صيف 2021 استلم المدرب الإيطالي لوتشيانو سباليتي تدريب نابولي، ولم يكن الكثير يتوقع منه عمل شيء، لكنه أنهى الموسم في المركز الثالث.

وفي صيف 2022، وجد سباليتي نفسه في ورطة، وذلك بعد رحيل أعمدة الفريق لسنوات، وهم لورينزو إنسيني، خاليدو كوليبالي ودريس ميرتنز، حيث شكل ذلك ضربة قوية له.

و كان سباليتي في قرارة نفسه، يتوق لتعزيز نتائجه في الموسم الأول له مع نابولي، من أجل الفوز بلقبه الأول كمدرب، وأيضاً نفي صفة "المدرب البديل" التي التصقت به، والتي تحيل إلى انحصار دوره في تحسين أسلوب لعب الفرق لا قيادتها للألقاب.

لكن، سباليتي، نجح بعبقريته في دمج الصفقات الجديدة مثل كين مين جاي وكفاراتسيخيليا مع الفريق والمهاجم النيجيري فيكتور أوسيمين، ووفر أجواء رائعة داخل غرفة الملابس، ليعلن عودة نابولي القوية، ويكمل الحلم باللقب التاريخي له ولنابولي أمس.

وسيكتب التاريخ أن سباليتي كان أول مدرب يقود فريق غير يوفنتوس وميلان وإنتر للفوز بالكالتشيو منذ فابيو كابيلو الذي قاد روما لذات الإنجاز في عام 2000، كما سيكتب عودة نابولي للمجد بعد 33 من الغياب عن منصات التتويج.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة