لايف ستايل
.
في رابع أيام العيد، عاشر أيام الحرب في السودان، خرج صدّيق إسماعيل من منزل أخته بمنطقة الملازمين في أمدرمان، متجها نحو منزله في منطقة الخرطوم 2، ورغم أن المسافة الفاصلة بين المنطقتين تُقطع خلال 30- 60 دقيقة بالسيارة، إلا أن العائلة لم تسمع عنه مرة أخرى إلا بعد 12 يوما.
ساعات وأيام ثقيلة مرت على الأسرة بسبب استحالة الخروج من المنزل للبحث عن صدّيق في ظل سوء الأوضاع الأمنية، يقول محمد ميرغني، ابن أخت المفقود "أنا شفته وهو طالع من البيت سلمت عليه، وبس.."، ويتابع "ما عرفنا عنه شيء بعدها".
"أبو البنات اتلقى؟".. سؤال تكرر كثيرا على تايملاين مستخدمي تويتر في السودان، عشرات الصور وآلاف التويتات والريتويتات، حيث لقت مأساة أسرة صدّيق تفاعلا كبيرا من الناشطين.
"كان لابس قميص أزرق وبنطلون رمادي ونظارات"، "كان سايق عربية لونها بني"،.. تغريدات بالمئات نشرتها ابنتا صدّيق -المقيمتان مع والدتهما في لندن وجميعهم يحملون الجنسية البريطانية- بحسب محمد، وأغرقتا بها صفحات تويتر.
سعى أهله المفقود في السودان لمناشدة كل من يمكن أن تكون له سلطة للعثور عليه، حيا أو ميتا.
يقول محمد لموقع بلينكس "تواصلنا مع مدير شرطة ولاية الخرطوم، وعندي معارف في الجيش، في استخبارات الجيش، اتكلمت معاهم"، وأضاف "تواصلنا مع السفارة البريطانية التي أخطرت بدورها الدعم السريع، إذ خاطب السفير البريطاني في السودان الدعم السريع بعد التحدث مع أفراد أسرة صدّيق للحصول على جميع التفاصيل".
"معظم الناس كانت مفتكرة إنه مات، فكانوا بيبحثوا في المستشفيات وبين الجثث، في ناس عملوا مسح لمنطقة كبري الحلفايا بحثا عنه بين الجثامين المرمية في الشارع، وفي ناس كانوا بيبحثوا عن العربية.. ناس كتيرة شديد"، يقول محمد عن المساعدات التي قدمها لهم السودانيون، لكن كلها كما جهود الأسرة، لم تنجح في حل لغز اختفاء صدّيق.
بعد اكثر من أسبوع على اختفاء صدّيق بلا أثر، تلقت الأسرة مكالمة من شخص أخبرهم أنه كان معتقلا معه لدى الدعم السريع، وبلغهم أن صدّيق بخير، يأكل وينام جيدا ويتلقى أدويته، وأوصل لهم رسالة من صدّيق يطلب منهم فيها "عدم تأجيل زفاف ابنته في لندن".
ومرة أخرى.. اختفت أخبار صدّيق بعد هذا الاتصال وعادت الأسرة تبحث مجددا في كل مكان، حتى تفاجؤوا يوما باتصال منه يخبرهم أنه قادم إلى المنزل.
يقول محمد "جابوه لينا ناس الدعم السريع، احنا نقلنا منطقة غير الملازمين المسيطرين عليها الدعم لأنها ما آمنة، ولما اتصلوا علينا قلنا ليهم جيبوه في منطقتنا الجديدة بس رفضوا لأنه مسيطر عليها الجيش، جابوهو بسيارتين وضعهم كويس جدا"، وذلك بعد محادثة السفير البريطاني مع الدعم السريع.
"دقنه كانت طويلة جدا ولونها أبيض لما رجع، لكن وضعه الصحي كان كويس، وكان بيضحك، أول ما وصل البيت جرينا مباشرة وأجرنا ليه سيارة وانطلق على بورتسودان عشان يلحق طيارات الإجلاء البريطانية من هناك"، يقول محمد.
السؤال الذي أثار أسرة صدّيق طوال 12 يوما، عرفوا جوابه أخيرا.. "لما طلع من الملازمين في أمدرمان ساق سيارته عبر كبري شمبات وبحري ووصل حتى تقاطع بزيانوس عند خرطوم 2 قبل بيته، ولاقته نقطة تفتيش للدعم السريع أشروا ليه إنه يمر، بس لما عدى النقطة، بدأوا يضربوا رصاص على سيارته ولحقوه حتى وقفوه وطلعوه من السيارة وقالوا ليه إنه لواء في الجيش وبدأوا بتهديده ثم اعتقلوه".
صّديق لم يكن الوحيد الذي اختفى فجأة دون أثر، فمنذ بداية الحرب، يتداول السودانيين على السوشيل ميديا عشرات الصور لمفقودين اختفوا فجأة في ظروف مشابهة لظروف اختفاء صدّيق.
"كان معاه ناس كتيرة في المعتقل بمنطقة الرياض، أكثر من 100 شخص من جميع الأعمار، كلهم اعتقلوهم اعتقالات تعسفية من الشوارع"، يقول محمد.
في الحرب.. كل شيء ممكن، وبسبب سوء الظروف الأمنية لا يعلم من يغادر منزله ما ينتظره في الخارج، أن يموت برصاصة طائشة أو قذيفة ضلت هدفها أو أن يعتقل بلا سبب، ولأن الدعم السريع لم يكن يسمح للمعتقلين بالتواصل مع أسرهم بحسب محمد، فقد قاموا باعتماد طريقة بينهم لطمأنة أسرهم في الخارج.
"كانوا بيطلقوا سراحهم بشكل عشوائي تام، فهو لما كان طالع أخد أرقام تلفونات أهالي الناس اللي اتعرف عليهم خلال فترة اعتقاله، واتصل عليهم وطمنهم عن أولادهم".
بعد العثور على صدّيق.. أرادت ابنتاه "رد جميل الدعم الذي تلقوه من الناس" بمساعدة أهالي المفقودين منذ بداية الحرب، وقامتا بتخصيص حساباتهم على تويتر لذلك.
"لو أي زول عنده شخص مفقود يرسل لينا، نتمنى أن نستطيع مساعدة أكبر عدد ممكن من المفقودين من خلال المعلومات والنصائح التي اكتسبناها من الناس في الأيام الماضية في خلال البحث عن والدنا"، كتبت سارة صديق على حسابها في تويتر.
وفي ظل غياب الإحصاءات الرسمية، أنشأ متطوعون صفحة "مفقودي حرب 15 أبريل بالسودان" على فيسبوك، لتنسيق وتكثيف جهود البحث، وقالوا إنهم استقبلوا بيانات أكثر من 98 مفقودا، إلا أن تلك الأرقام لا تعكس الواقع على الأرض، نسبة لضعف التبليغ عن المفقودين بسبب ضعف شبكات الإنترنت والكهرباء وانعدام الأمن، فيما أكدوا عودة 14 شخصا إلى ذويهم، ووفاة 3 أشخاص.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة