لايف ستايل
.
"ممتنة حقاً للقدر الذي جعلني أنال فرصة للعمل في دار أزياء نيمو ديزاين"، هكذا بدأت الشابة تسنيم أبو حشيش البالغة من العمر 23 عاماً حديثها عندما أخبرتنا عن حياتها المهنية كمواطنة فلسطينية تعيش في قطاع غزة المحاصر.
حصلت تسنيم على منحة لدراسة دبلوم مهني تخصص خياطة وتطريز في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية في غزة عام 2018، ولجأت خلال دراستها لتستقي التدريب العملي في التصميم والخياطة لنيمو ديزاين تحت ملكية وإدارة مصممة الأزياء نرمين الحوراني."تدرّبت على يد نرمين لمدة ست شهور، تلقيت بهم علماً لم أكن لأحصل عليه لولا أنها احتوت موهبتي وساندتني لكسب الخبرة اللازمة للخوض في سوق العمل في سن مبكر"، كما تحكي تسنيم بشغف.
الحصول على وظيفة في قطاع غزة أشبه بالمعجزة، نظراً لشح الفرص بسبب الحصار المفروض على القطاع منذ عام 2007، فاليوم حوالي 300 ألف خرّيج وخرّيجة من غزة لم ينعمون حتى بفرصة عمل واحد على الأقل بناءً على ما أعلنه مركز الإحصاء الفلسطيني في العام الماضي 2022.
بعد تخرج تسنيم في عام 2019 مكثت ما يقارب الشهر تبحث عن فرص للعمل، انطلاقاً من عزمها على مساعدة والدها الموظف ذو الدخل المحدود في تحمل أعباء مصاريف البيت وأخواتها الثلاثة وأخوها الوحيد، وكذلك رغبةً منها في ممارسة ما تهواه من تصميم وقص وحياكة، وإذا بها تُفاجأ باتصال من نرمين تعرض عليها العمل لدى نيمو ديزاين.
عمل تسنيم في نيمو ديزاين جعلها قادرة على تأمين الكثير من مصاريف المنزل وخاصة الملابس لكل المناسبات لأفراد عائلتها. تقول تسنيم لبلينكس "لا تبخل نرمين بتقديم الاستشارات لأي من موظفيها، ليس لي وحسب، بيد أنها تسمح لي باستخدام مكن ومواد الدار لإتمام أعمال خاصة لحسابي الشخص".
وتضيف تسنيم "أطمح بأن يصبح لي دار أزياء خاصة بي، ولا أظنه حلماً بعيداً خاصةً كوني مؤمنة بحتمية الوصول إذا ما استمرّ السعي، وأيضاً لأنني موظفة لنرمين التي تدعمني كثيراً في تطوير مهاراتي وتشجعني دائماً على بناء بصمة خاصة لي في عالم الأزياء".
تقول تسنيم مبتسمة "أكثر ما يشعرني بالفرح والانتماء للعمل هو بهجة أخواتي وأخي حين أتمكن من تغطية تكاليف أعياد ميلادهم بالكيك والهدايا البسيطة الجميلة".
في ظل انسجام تسنيم بالحديث عن فخرها بكونها تساعد في إعالة عائلتها، تعلق نرمين "تسنيم شغوفة ودقيقة بالعمل، تبهرني دوماً بتفانيها وإخلاصها، لذا هي من يدفعني لدعمها باستمرار".
وفقاً لمدير "دائرة التشغيل المحلي والوافد وفي الخارج بوزارة العمل" في غزة، صالح صهيون، يبلغ عدد العاطلين عن العمل في الوقت الحالي نحو 230 ألف شخص، 50% منهم حاصلون على شهادات جامعية، في حين أن الباقي ينتمون إلى فئات العمال والمهنيين. لذا فإن خلق فرصة عمل أو عمل خاص هو أحد أهم التحديات التي تواجه الشبان والشابات في غزة.
نرمين الحوراني (26 عاماً) تقول "خلقت في غزة، أدرك معنى التحديات، أعي تماماً صعوبة الحياة، ولكنني.. أرفض الاستسلام وأخلق الأمل من رحم المعاناة، ولعلّ حبي للجمال والألوان والتناغم في انحناءات الأزياء هو الذي جعلني أنظر للحياة بعين الطموح والتفاؤل."
نرمين مثال للشابة الغزّية الإنسانة! فمنذ بداية دراستها لتصميم الأزياء في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية عام 2014، تسعى لتصنع نفسها وتحقق نجاحاً لطالما حلمت به، فحين كانت في أول سنة دراسية، وفر لها والدها مكينة خياطة ومكواة وبعض مستلزمات الحياكة، وبدأت بالتطبيق العملي لكل ما تتعلمه في الكلية، وبدأت بارتداء الملابس التي تصنعها ، ومن هنا بدأت تتجه في مسار تصميم الملابس وحياكتها وبيعها لزميلاتها في الكلية.
تضيف نرمين "لا أستطيع أن أنسى أول مرة حصلت على طلب لتصميم عباءة من زميلة لي، حتى أنني أذكر اسم الفتاة وعباءتها جيداً، فحين أتممت العباءة وسلمتها لها ورأيت انبهارها بالتصميم والدقة في الحياكة شعرت وكأنني أسعد الخلق".
لم تكتفِ نرمين بالعلم الذي تتلقاه من الكلية، فلجأت للبحث بعمق عبر الإنترنت عن التطورات في هذا المجال. قبل تخرج نرمين بشهور قليلة حصلت على جائزة بقيمة 1800$ لفوزها بمشروع (تصميمي) بتمويل من الوكالة الفرنسية في غزة، وتمكنت من شراء مكن ومستلزمات الخياطة بهذا المبلغ، وأصبحت تبيع قطع الملابس التي تصممها عبر السوشال ميديا.
تقول نرمين "نعيش في مجتمع محافظ لذا حرصت على أن تتناسب تصاميمي مع صيحات الموضة مع مراعاة أن تكون محتشمة، وإن دعم عائلتي لي وإقبال الفتيات على طلب تصميماتي جعلني أعمل بشغف أكبر، بغض النظر عن القلة القليلة التي عارضت كوني فتاة تعرض تصميماتها عبر الإنترنت!"
قبل افتتاح نيمو ديزاين، عملت نرمين وصديقة لها كشريكتين في محل لتصميم الأزياء، وبعد مدة قررت نرمين أن تأسس دار أزياء خاصة بها، فافتتحت نيمو ديزاين الأولى في نوفمبر 2019 في منطقة الرمال غرب غزة، وسافرت لتركيا ومصر لمدة 4 شهور لتلقي دورات احترافية في مجالها، ونظراً للإقبال الكثيف على تصميمات نرمين اضطرت لافتتاح دار الأزياء الخاصة بها في مكان قريب أوسع في يناير 2022.
"واجهت عوائق حين وددت تلقي تدريبات في غزة، لذا لا أدخر جهداً في تدريب خريجات وتعليمهم مجاناً، إيماناً مني بأن كل خير يفعله المرء يُجزى به، وإدراكاً مني بحاجة الكثير من الفتيات للتدريب المجاني ومن ثم العمل لإعالة أسرهم" كما أضافت نرمين.
تقول بأنها تغلبت على الحصار وعدم دخول المواد التي تحتاجها بالسفر وتحمل مشاقه للغوص أكثر في هذا المجال، كما وتوضح تكيفها مع انقطاع التيار الكهربائي بتوفير حلول بديلة.
تختتم نرمين حوارها قائلة " في بداية عملي كنت أغيب لساعات طويلة عن البيت، وكنت ومازلت أبذل مجهوداً جباراً للوصول إلى هذا النجاح لكنني لن أبرح حتى أبلغ مناصباً أعلى وأصير مصممة أزياء عالمية".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة