لايف ستايل
.
من مستوطنة شافي شمرون شمالي نابلس إلى معالي عيلي جنوبها، وقفت سيارات الفلسطينيين العائدين من عملهم في رام الله إلى بيوتهم في مدن شمال الضفة الغربية. وانتظر أصحاب السيارات السماح لهم بالعبور بعد التفتيش الدقيق. كان عصام عبيد، ٢٨ عاما، الذي يسكن في إحدى قرى شمال جنين أنهى عمله في تمام الساعة السادسة مساء في محل كوكتيل، عصائر، الذي يبعد ٣٠٠ متر عن دوار المنارة في مركز مدينة رام الله.
على أطراف رام الله، مدينة الثقل الاقتصادي في الضفة الغربية، تلقى عصام تحذيرات من السائقين في الشارع تنذره بأن الطريق مغلق إلا أنه تجاهلها ووثق بفراسته التي توقع أن تدله على الطرق البديلة. كانت التحذيرات عبارة عن إشارات "الغماز العالي والواطي والزمامير"، وهي لغة خاصة بين سائقي السيارات في الضفة الغربية يحذرون فيها بعضهم من حواجز على الطريق. بعد ٢٠ دقيقة من قطع مسافات في السيارة وصل عصام الشارع المحاذي لمستوطنة عيلي ليشاهد طابور سيارات بالمئات متوقفة بسبب الحاجز المغلق.
كانت إسرائيل قد أغلقت الطريق الواصل بين رام الله ونابلس لتبحث عن منفذي "عملية عيلي" التي أسفرت عن مقتل ٤ مستوطنين وإصابة ٤ آخرين.
أدرك عصام أنه لن يتمكن من العودة إلي منزله في ظل هذا الوضع المتوتر، لكنه قرأ على صفحات فيسبوك وفي مجموعات التلغرام منشورات "مبهجة" لعصام ومئات العمال العالقين على الحواجز مثله، لأن سكان رام الله نشروا على فيسبوك يعرضون فيها استقبال أهالي المدن الأخرى العالقين في رام الله، داخل بيوتهم.
"فتح أهالي رام الله وخصوصاً منطقة البيرة، أبوابهم لجميع أهالي الشمال والجنوب"، حسبما يقول عصام. عاد بائع الكوكتيل إلى رام الله واتصل بابن عمه الذي استضافه في بيته مع شخص غريب آخر لا يعرفه أبناء العم، إلا أنه كان عالقاً لا يعرف أين يذهب، فرحب به صاحب البيت في منزله وحضّر له العشاء.
بعد "عملية عيلي" التي قتل أول منفذيها في موقعها يوم ٢٠ يونيو، طاردت قوات الجيش الإسرائيلي المنفذ الثاني حتى قتله في بيت فوريك شمال رام الله. وكان جنود الاحتلال قد أغلقوا كل مداخل البلدة، وعلق في شوارعها أشخاص من خارجها، فما كان من صاحب سيارة شحن خفيف يبيع فيها البطيخ إلا أن بدأ ينادي "بطيخ ببلاش، تعال برد قلبك". وبدأ بتوزيع البطيخ على الفلسطينيين العالقين في ظل الحر الشديد الذي يشهده الطقس في فلسطين هذا الشهر من العام.
أعاد هذا الحدث إلى ذاكرة عصام ما حصل معه في مرات سابقة كثيرة كان أقربها زمناً في بداية ٢٠٢٣، بعد أن "عربد المستوطنون في حوارة" حسبما وصف. ويسرد عصام "وصلت إلى وسط حوارة وأغلقت مداخلها ومخارجها فخرج الأطفال الصغار يبيعون القهوة والشاي للعالقين ومنهم من حمل أكياس الشيبس وداروا بها بين العالقين".
ما فاجأ عصام أن الرجال في حوارة كان يصرخون على الصغار "كيف بتبيعوا، وزعوا وزعوا". ولاحظ عصام أن رجلاً في حوارة "اشترى براد قهوة من طفل كان ينوي البيع وبدأ الرجل بصب القهوة للعالقين بالمجان".
حتى شهر أكتوبر ٢٠٢١ كانت إسرائيل تنصب ١٧٦ حاجزا في الضفة الغربية من الخليل جنوباً حتى جنين شمالاً، حسب منظمة بتسليم الإسرائيلية لحقوق الإنسان، هدف هذه الحواجز توفير الأمن لسكان الضفة الغربية من فلسطينيين ومستوطنين، حسب ما تروج له الحكومة الإسرائيلية، إلا أن عصام يروي مشاهد تجمهر للمستوطنين على الحواجز الإسرائيلية حيث يعتدون على الفلسطينيين بحماية قوات الجيش. يقول عصام "كسروا زجاج سيارتي الأمامي مرة والجندي يشاهد ولم يحرك ساكناً، وإذا صرخت أنا علي المستوطن سيتم اعتقالي أو قتلي".
اليوم خرج عصام من عمله مبكراً وركب سيارته متجهاً إلى جنين، خلال الطريق استعمل "الشيفرات" التي يستخدمها الفلسطينيون على الشوارع ليحذروا بعضهم من الحواجز. قبل حوارة "ضربت سيارة فلاشر" حسبما وصف عصام، ويعني بفلاشر أن المصابيح الأربعة للسيارة اشتعلت وانطفأت خلال ثانية. وبلغة الشوارع الخارجية في الضفة هذا يعني أن هناك مستوطنين قريبين، فاحذر.
أما إذا بدل أحدهم "أضوية السيارة ما بين العالي والواطي مرتين" فهذا يعني أن حاجزاً للجيش الإسرائيلي قريب. وجميع الطرق الخارجية في فلسطين هي طرق باتجاهين متقابلين ومتجاورين، يعني أن الذاهب شمالاً يعبر من يسار الذاهب جنوباً ويحاذيه في شارع واحد.
إذا تبدلت السيارة القادمة من أمامك إلى "العالي والواطي" مع "زامور" طويل فهذا يعني أن حاجزاً للشرطة الإسرائيلية في انتظارك.
وينشئ الفلسطينيون العديد من المجموعات على فيسبوك يتابع إحداها ٧٨ ألف فلسطيني، ويتشارك فلسطينيون في هذه المجموعات حديثهم عن أحوال الطرق بين المدن، كي يخططوا بشكل دقيق لـ "مشاويرهم" الخارجية.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة