"فش طعم للحياة هون".. عزيز "الخضرجي" يقاوم على طريقته في جنين

في الثلث الأخير من شهر مارس ٢٠٢٢ أعلنت إسرائيل عن عملية "كاسر الأمواج" في الضفة الغربية، التي أرادت فيها القضاء على كل من تعتبره "إرهابيا". ومنذ ٢٠٢١ انطلقت عدة "كتائب" في الضفة هدفها "مقاومة الاحتلال" حسبما أعلنت، كانت أولها كتيبة جنين وتبعتها كتيبة بلاطة، نابلس، طولكرم، طوباس، جبع.

مع كل اقتحام لمدينة جنين ومخيمها، يغلق عزيز بسطته التي تعتبر مصدر رزقه الوحيد بعد أن أحيل للتقاعد المبكر وهو بعمر الـ ٤٥: "كل اقتحام بصير عنا شهداء ونعلن الحداد والإضراب على روحهم"، إلا أن البضاعة التي يبيعها عزيز لا تحتمل التأجيل فيضطر أن يكسر الإضراب في بعض الأحيان ويمشي من بيته الذي يبعد ٥٠٠ متر عن مكان البسطة ليبيع الفواكه "لأنها تتعفن ولا يمكن أن أبيعها في اليوم التالي".

اقتحامات كثيرة شهدتها بسطة عزيز، وفي أحدها "تعمد الجيب الإسرائيلي أن يدوس على البسطة ويكسرها"، وعاد إليها عزيز في المساء ليرى مصدر رزق أولاده تحول من بناء حديدي قائم إلى أسطوانات معدنية مكسورة تفترش الأرض، ورأى عزيز بعدها "سحارة كرز لبناني" لم يصبها أذى الجنود الإسرائيليين، فحملها ووقف على دوار السينما وبدأ يوزع الكرز على الأطفال والمارة ويطلب منهم "أن يترحموا على شهداء المخيم".

منذ تأسيس كتيبة جنين بعد أن اغتالت إسرائيل القائد الميداني لسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في المخيم، جميل العموري، تحول الكيلومتر مربع الواحد الذي يشكل مساحة مخيم جنين إلى "ثكنة عسكرية" حسبما وصف عزيز. ويصف بائع الفواكه أن الشباب والأطفال بعد "الثورة الجديدة"، كما سماها، تحول فكرهم نحو الوطن والدين، وهو ما لم يكن بهذا الزخم قبل ٢٠٢٠.

وكونه ابن المخيم، يرجع عزيز السبب في ذلك إلى أن "أطفالنا وشبابنا يرون إخوتهم وأصدقاءهم يستشهدون أمامهم، فتشكل عندهم رادع وطني وديني". وختم عزيز حديثه "كل اشي في جنين ثوري، حتى الفواكه هاي ثورية".

تشهد بسطة عزيز إقبالا واسعا هذه الفترة، بسبب اقتراب موعد عيد الأضحى الذي يرى فيه عزيز فرصة حقيقية للبيع، لأن الناس يشترون أفضل أنواع الفواكه لضيوفهم في العيد، حسب اعتقاده.

خلال اقتحام الجيش الإسرائيلي لجنين في ١٩ يونيو الحالي لم يستيقظ عزيز في السادسة والنصف صباحاً ليذهب إلى بسطته، لأنه كان مستيقظاً في تمام الخامسة صباحاً على صوت رصاص الجنود المقتحمين للجهة الشمالية من المخيم "ما نزلت على الشغل في آخر اقتحام، لم تصب بسطتي بأي أذى لكني لم أتمكن من بيع بضاعتي في اليوم التالي لأنها قديمة وذبلت".

وبكل استياء بعد أن حمل حبة خوخ وهو يتكلم في مقابلته مع بلينكس قال: "هذا الخوخ كان بايت، بعت الكيلو بـ ٧ شيكل، وأنا بشتريه بـ ٨، اضطريت أعمل هيك مشان ما أكبه".

ووصفت وسائل إعلام إسرائيلية وفلسطينية الاقتحام الأخير بأكبر اقتحام لجنين منذ معركة ٢٠٠٢ على أرض مخيمها، وتدخلت أثناء الاشتباكات طيارات الأباتشي التي قصفت بيتاً تحصن فيه مسلحون.

وتتراوح أسعار الفواكه على بسطة عزيز من ٧ إلى ٢٠ شيكل (٢ إلى ٦ دولارات أميركية) تقريباً، ويشهد التفاح البلدي الذي يبيع الكيلو منه بـ ٧ شواكل (٢ دولار أميركي) اقبالاً كبيراً من قبل المتسوقيين، إلا أن "الكرز اللبناني" الذي يبيعه عزيز بـ ٢٠ شيكل (٥.٧ دولار أميركي) لا يشتريه أغلب الناس لأنهم يعتبرونه غالي الثمن. ويعزي صاحب البسطة ذلك إلى الوضع الاقتصادي الصعب في الضفة الغربية. ويجلس عزيز طوال النهار مع ساعتين من الليل أحياناً خلف بسطته حتى يبيع كل بضاعته، إلا أنه مع الاقتحامات أصبح لا يبيع كل البضاعة إلا بعد يومين وبأسعار تجعله يخسر في بعض الأحيان حسبما قال.

ويعود السبب في الوضع الاقتصادي الصعب حسبما يصفه مواطنون فلسطينيون إلى أن السلطة الفلسطينية خلال العامين السابقين أوقفت التنسيق الأمني مع الحكومة الإسرائيلية أكثر من مرة وأعادته، وهو ما تسبب بحرمانها من أموال الضرائب المستحقة لها على إسرائيل والتي عادة تحولها لها كل شهر.

ولم يتقاض الموظفون العموميون والعسكريون رواتب كاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة راتباً كاملاً منذ شهر نوفمبر ٢٠٢١، وهو الوقت الذي بدأت فيه الأزمة. ومنذ ذلك الوقت حتى الآن يتقاضى الموظفون ٥٠٪ من رواتبهم، وفي بعض الأشهر وصلت النسبة إلى ٧٠٪ في شهر واحد إلى ٨٠٪، وتبلغ مستحقات الموظفين عند الحكومة ما قيمته راتب ١٣ شهر لكل موظف.