النوستالجيا في حياة لبنى ومقداد.. جيل Z الأكثر حنينا إلى الماضي

يعتقد مقداد أن حنينه إلى الماضي، تدوين للأيام الجميلة التي ترتبط بطفولته ومراهقته والزمن الذي عاشه قبل الأزمة السورية التي بدأت عام 2011، أو عن الزمن الذي حدثه عنه والده وجدّه، وروى لبلينكس أن مقتنياته الذي يجمعها من مصروفه المحدود "أجمل وأقل تعقيداً من الحداثة التي نعيشها اليوم".

الحنين إلى الماضي شعور طبيعي ممكن أن يكون حافزاً لتحقيق الأهداف. وحسب دراسات، عند الإفراط بالحنين، تبدأ الذكريات بتسبيب الألم بدل السلام وتفصلنا عن تقدير حاضرنا وقدرة التعامل معه، كما يكون سبباً في تأجيج شعور عدم الرضا عن كلّ ما يحدث ومسبباً لليأس والاكتئاب، ويعتبر الحنين المفرط ضمن "متلازمة النوستالجيا"، الذي يعيش بها الأشخاص في ماضيهم أكثر من حاضرهم ويعانون من رفض للواقع.

ووجدت دراسة بريطانية، أن الحنين إلى الماضي محرك إيجابي لشعور الإنسان، وأنّ هناك علاقة راسخة بين المكان ومشاعر الإنسان تجاه ذكرياته بطريقة يصعب التعبير عنها لفظياً، وبينت أن ٨٠٪ من الأشخاص يشعرون بالنوستالجيا (الحنين إلى الماضي) تجاه أمر معين مرة في الأسبوع على الأقل.

"النوستالجيا شيء يُحَس، ولا يُرى في كثير من الأحيان"، هذا ما تعتقده لبنى أبو فخر (٢٦ سنة) تجاه ذكرياتها والمكان التي نشأت به، وفي الوقت الذي تعتبر به أن ذكرياتها مصدر للشعور بالأمان، تصف النوستالجيا بـ"المرض" أحياناً و"سيف ذو حدين"، كونها مؤمنة أن "الوقت لن يعود".

شعور كلمات لبنى مشتقة من كلمات أغنية تسمعها اليوم من غرفتها في دبي، القمر والمحيط لسينابتك التي حازت على أكثر من ٢ مليون مشاهدة من الشباب العربي، والتي تتحدث عن الماضي والشعور نحوه في الحاضر.

وشرحت لبنى لبلينكس أن الشعور الذي تجلبه هذه الأغنية وغيرها من نفس النوع، يعتبر حافزا يذكرها بأهمية المُضي بالحاضر دون الاستسلام للذكريات السابقة واستحضارها بشكل إيجابي عبر أغنية أو رسمة.

تجربة لبنى مع النوستالجيا أوصلتها للجلوس في غرفتها سنة كاملة توقفت بها عن الذهاب إلى الجامعة ومغادرة "المكان الآمن" الذي نشأت به. وفي حديثها مع بلينكس، قالت إنها رأت عجوزاً يبحث عن شيء يأكله من الحاوية وهي خارجة من بوابة جامعتها في دمشق، مما تسبب لها في صدمة، وشرحت أنها لم تألف مثل هذا المشهد في الحارة التي نشأت بها، مما جعلها تستسلم لغرفتها سنة كاملة بعدها، ترسم بها ما تحييه ذاكرتها عن "الجمال" الذي كانت تعيشه سابقاً.

ورغم أنها تقدر اليوم وجودها في أكثر المدن حداثة وتطوراً، إلا أنها اعترفت أنها "تخاف" زيارة سوريا مجدداً، كونها تعتقد أنها "لن تعود"، رغم درايتها بصعوبة العيش دون ماء وكهرباء، إلا أنها ستكون أقرب من ماضيها التي تحب.

وفي وصف الحياة السابقة، تشاركا لبنى ومقداد وأصدقاء لهم على حد تعبيرهم، بأن "الحنين إلى الماضي هو الحنين إلى البساطة البعيدة عن التنميط والأرقام التي تلاحق الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي".

يعاني جيل Z من حالة "عدم يقين" بشأن المستقبل، وأنه الجيل الذي يتوقع أن "يزداد العالم سوءاً في المستقبل، ما كان مدهشًا حقًا في بحثي هو أن هذا جيل نشأ يتوقع أن يزداد العالم سوءًا في المستقبل وتشرح دراسات أن السبب وراء ذلك هو نشأة الجيل على خلفية الاضطرابات الاجتماعية وتغير المناخ والأزمة الصحية العالمية.

يتخلى مقداد عن نزهة مع أصدقائه مقابل شراء مقتنى قديم ليضعه في زاوية غرفته، ويعتبر أن هذا الركن هو الذي يفصله عن الواقع في نهاية يوم ينغمر فيه في العمل والسعي نحو مستقبل "مجهول" على حدّ وصفه.

ولم تقتصر هواية مقداد في تجميع كل ما هو قديم على وجوده في بغداد، بل حدّثنا أنها كانت أكثر في سوريا، لأن شعوره بالحنين إلى الماضي بدأ من وجوده في سوريا وخصوصاً أثناء الحرب.

"هذا الشعور الذي جعلني أرفض مغادرة سوريا في أصعب الظروف، ولم أتركها إلا حين فقدت الأمل بمستقبلي هناك، وأن شعور النوستالجيا مؤلماً أكثر في المكان الذي نشأت به لكن تغيرت ملامحه".

ورفضت لبنى أن تصف شعور الأمان هذا بالـ"وهم"، كونها عاشته، وأنه "أصدق" من التطور الذي تخلّى عن "الطابع الروحاني" في الأمور، ولا تعتبر أنه شعورها وشعور من حولها للحنين والتعبير عنه عبر موسيقى قديمة أو صور أو رسمة "ترند" أو "موضة" كونها ترسم ما هو قديم من ذاكرتها، وتبرر ذلك، "لم أرسم الحداثة لأنني أراها، سأستمر في رسم القديم لأحافظ على البساطة التي أحب".

صنّفت دراسات جيل Z على أنه الجيل الأكثر شعوراً بالنوستالجيا، وأظهرت أن 15٪ من الشباب يشعرون بأنهم يفضلون التفكير في الماضي بدلاً من المستقبل. ويستمر تناقص النسبة التدريجي مع التقدم في العمر، وذلك بسبب شعور الأمان الذي ينبعث من الحنين.