في اليمن.. سرطان الثدي يتحدى كريمة

تحكي كريمة من محافظة صنعاء وسط اليمن لموقع بلينكس، كيف عرفت أنها مصابة، حيث لاحظت خلال عملها التطوعي في مساعدة الأسر الفقيرة، ارتفاع حالات سرطان الثدي بين النساء، فبدأت بالبحث عن مؤسسة خيرية تقدم خدمات مجانية للمريضات الأشد فقراً.

عند زيارتها للمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان اقترحت الإدارة إجراء فحص مجاني لكريمة وزميلاتها بالمجلس الأعلى للشؤون الإنسانية كبداية تعاون، وبعد لحظات كشف الفحص وجود كتل تم تشخيصها مبدئياً بأكياس حميدة تلاه فحوصات ومتابعة وملاحظة للتأكد من الشكوك حول المرض.

وتضيف: "لم أكن أعاني من أي أعراض أو ألم أو كتل ملحوظة، لذلك شعرت بالصدمة، لم أتمكن من لملمة شتات أفكاري لأربعة أشهر، هي فترة الشك، بين الفحص المبدئي وتأكد نتائجه بوجود ورم خبيث في الثدي الأيسر".

تمثل الإصابة بالسرطان في بلد فقير تدمرت بنيته التحتية، ومحاصر بويلات الحرب، عبئا إضافيا، حيث لا يلتفت اليمنيون كثيراً للأمراض العابرة لتقلبات الجو؛ لكن أكثر ما يقلقهم حقا، هو السرطان الذي يحاصر 80 ألفا منهم، بحسب احصائيات رسمية حديثة لوزارة الصحة بصنعاء.

حسب الإحصاءات فإن نسبة الإصابة بسرطان الثدي في اليمن تبلغ 4.10% من إجمالي الإصابات بأنواع السرطان في البلاد التي ترزح تحت ويلات الحرب، وتمثل أيضا 25% من السرطانات التي تصيب نساء اليمن، وفق تقرير حديث نشرته وكالة سبأ للأنباء.

تابعت كريمة عملها التطوعي في مساعدة النازحين والمتضررين من الحرب الدائرة في البلاد منذ 8 أعوام. التزمت الصمت خلال فترة الفحوصات الأولية، لأن البوح عادة يعني رسم نهايات مؤلمة للمريض، فالحديث عن السرطان غير مرحب به في مجالس النساء، وربما هذا يدعم تلك المخاوف وفاة 12 ألف حالة من مرضى السرطان في اليمن، ينضاف إليهم 9 آلاف حالة إصابة سنوياً.

كريمة بررت لـ "بلينكس" عدم إفصاحها بمرضها لتجنب النظر إليها "بشفقة"، ما دفعها لإخفاء الأمر حتى عن أقرب الناس إليها، والدتها وأسرتها، واستعانت فقط بأختها الكبرى وابنة عمها منى التي لديها تجربة سابقة مع سرطان الثدي، وقدمت لها المعونة، ورسمت لها خارطة طريق للتعامل مع المرض والتغلب عليه.

تسرد كريمة مراحل العلاج، وصفتها بأنها مهمة صعبة، باعتبار أن الإصابة ليست المأساة الوحيدة، فالفقر والتحديات الاقتصادية ونقص الأدوية وعدم انتظام جلسات العلاج الكيميائي وعدم القدرة على السفر لتلقي العلاج في الخارج، كلها عوامل تسهم في مفاقمة الآلام وتقلل فرص النجاة.

وتؤكد "محاربة السرطان" أنها طردت الأفكار السلبية من صندوقها الأسود وبدأت مراحل العلاج الثلاث: الجراحة والجلسات الكيميائية والتي تجاوزت 15 جرعة، والإشعاع.

تقول كريمة إن العلاج بالإشعاع غير متوفر سوى في مستشفيين بالعاصمة صنعاء بسبب انعدام مستلزمات الأجهزة وتوقفها نتيجة ضعف كفاءة المصدر المشع، بالإضافة إلى منع دخول غاز الهيليوم ومستلزمات المسح الذري، بحسب وزارة الصحة بصنعاء.

وضاعف انعدام الإمكانيات العلاجية جهود كريمة لمحاربة السرطان التي كانت تبدأ رحلتها فجرا إلى مستشفى الجمهوري بوسط العاصمة صنعاء الذي يقدم خدمات طبية لمرضى السرطان، لحجز سرير لجلسة الجرعة الكيميائية قبل نفاذ الأسرة الـ 17 المخصصة للنساء.

تؤكد كريمة لـ"بلينكس" أن طبيب الأورام أكد أهمية إجراء العلاج الإشعاعي، ما اضطرها بمساعدته على التدريب على أخذ الجرعات الكيميائية المتبقية لها ذاتياً، لصعوبة وجود أسرة شاغرة بالمستشفى من جهة، وللإسراع في السفر من جهة أخرى.

وتعلم معلمة مادة الإنكليزي التي توقفت عن عملها بعد عام من الحرب، وانتقلت للعمل الخيري والإنساني في المجتمعات الفقيرة، أن عدم وجود أكثر من 50% من الأدوية الخاصة بمرضى السرطان، وخصوصاً الأدوية الكيمائية الموجهة، وعزوف كثير من شركات الأدوية عن استيراد الأدوية التي تحتاج إلى ظروف نقل خاصة للتبريد، يستوجب التفكير في السفر والتغلب على العائق المادي.

كافحت كريمة من أجل تأمين مبلغ مالي للسفر وإنهاء المرحلة الأخيرة من العلاج في الأردن، مع صديقتها ورفيقة محنتها منى، لكن كان يتوجب عليها الاحتفاظ بسرها الأكبر لنفسها بعيداً عن والدتها وإيجاد مبررات مقنعة لسفرها.

وبعد تأمينها لمبلغ العلاج وتذاكر السفر التي يتجاوز سعرها (300 الف ريال) ما يعادل 500$، وهو مبلغ صعب توفيره في بلد فقير يفضل فيه الناس "الموت المبكر" على "صراع المرض" باعتباره تجربة نجاة فاشلة، لتعثر الحصول على الدواء والغذاء؛ إذ توفى أكثر من 28 ألف مصابا بالسرطان خلال سنوات الحرب، نتيجة انعدام المستلزمات الطبية وعدم القدرة على توفير العلاج.

كان على كريمة تجاوز خطر النقاط الأمنية بين صنعاء وعدن، وتقول إن صراعها مع المرض أكسبها قوة لتجاوز أي صعوبات ومنها المجازفة بالسفر عبر مطار عدن الدولي، حيث المسافة بين صنعاء وعدن تلتهم أرواح كثير من العابرين.

استغرقت رحلة التعافي في الأردن شهرين، وبعد إجراء الفحوصات والمسح الذري، أظهرت النتائج تعافي كريمة من السرطان لتعود لليمن ليلة عيد الفطر المبارك وتحتفل بالعيد وبنجاتها من المرض.

مازالت تتذكر تجربتها في النجاة من السرطان، تعتبرها ملهمة للتحدي حيث لم تتغيب عن عملها التطوعي سوى أيام بعد الجراحة، فيما كانت تواصل عملها فوراً بعد أخذ الجرعة الكيميائية.

مرت 6 سنوات على تجربة النجاة من السرطان، حرصت خلالها كريمة على الاحتفاظ بأسرارها لنفسها مع البحث عن إجابة لكل تساؤلات والدتها؛ خاصة عند تساقط شعرها الذي بررته بأنه نقص فيتامينات، وواصلت عملها التطوّعي الذي انصب على مساندة مريضات سرطان الثدي.