ضحايا التحرش في العراق بين "عارين".. الصمت أو الشكوى

أمام شرفة منزلها تقضي "هـ. ق" ساعات طويلة من التأمل كل يوم، بعد أن خسرت كل أحلامها بالعمل في الإعلام في أول محطة.

تخرجت الفتاة في العام 2021، والتحقت بإحدى القنوات المحلية، لكن مسيرتها انتهت مبكرا، وبعد لمسة جسد من مسؤول المراسلين في تلك القناة.

عندما تقدمت بشكوى لمدير القناة، فوجئت بإصدار كتاب الاستغناء عنها، في الوقت الذي تم توجيه الشكر للمتحرّش. تلك الحادثة دفعتها لترك العمل الإعلامي، أو حتى أي عمل ثان خوفاً من مواجهة نفس الأمر. لم تتقدم بشكوى رسمية لدى الجهات الأمنية، ولم تبلغ ذويها حول ما حصل خوفاً من التبعات المجتمعية التي تلوم الضحية، لا الجاني. وتقول إنها واحدة من ضحايا كثيرات تعرضن للتحرّش دون القدرة على الحديث، لعلمهن بوصمة العار التي ستلتصق بهن.

تشير استبيانات أجرتها جهات صحفية وحقوقية إلى أن أكثر من 90% من العاملات في الوسط الإعلامي والصحفي في العراق قد تعرضن لتحرّش لفظي أو جسدي.

فيما تشير منظمات معنية بحقوق النساء إلى ارتفاع معدلات التحرّش في العراق، وأن خوف الضحية من الشكوى يعد السبب الأول لهذا الارتفاع.

آخر إحصائية أجراها منتدى الإعلاميات العراقيات، أشارت إلى أن 77 % من النساء العراقيات بشكل عام، تعرضّن للتحرّش. وترجع نبراس المعموري رئيسة المنتدى، أسباب اتساع ظاهرة التحرّش إلى عدم تنفيذ القانون في معاقبة المتحرّشين، وكذلك عدم قيام الضحايا بالإبلاغ عما يتعرضن له، مشيرة إلى أن هناك تحركات ملموسة لوزارة الداخلية، لكنها لم تصل إلى مستوى الطموح إلى الآن، أو ما يوازي اتساع الظاهرة.

تقرير للمرصد العراقي لحقوق الإنسان، كشف عن حالات تحرّش "مستشرية" في مستشفيات وجامعات ووسائل إعلام عراقية، تُساوَم من خلالها النساء بـ"الجنس" مقابل العلاج والدراسة والعمل، وسط مطالبات من نشطاء لمعالجة الأمر وسن قوانين رادعة.

وقال المرصد العراقي في تقريره "إن حالات التحرّش الجنسي واللفظي آخذة في التزايد في كثير من المنشآت الحكومية والخاصة، بما في ذلك المنازل، وفق شهادات لضحايا وشهود عيان".

ونقل المرصد شهادات لضحايا نساء، وأجرى مقابلات مع رجال وعناصر أمن وصحفيين ومدرسين، تحدثوا خلالها عن تفاصيل حوادث تحرّش وقعت في دوائر عملهم. وعن ذلك يشير رئيس المرصد مصطفى سعدون، إلى أن التحرّش استفحل ليتحول من حالة إلى ظاهرة.

وإلى جانب الوصمة المجتمعية التي تتعرض لها الضحية، فإنها تتعرض للتحرّش عند مراجعتها مركز الشرطة للشكوى، وفق بعض الحالات.

تنص المادة (396) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة (1969)، على المعاقبة بالسجن مدة لا تزيد على 7 سنوات على من اعتدى بالقوة أو التهديد أو بالحيلة أو بأي وجه آخر من أوجه عدم الرضا، على عرض شخص ذكراً أو أنثى أو شَرَع في ذلك.

و"إذا كان من وقعت عليه الجريمة لم يبلغ من العمر 18 سنة أو كان مرتكبها ممن أشير إليهم في الفقرة (2) من المادة (393) تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين".

كما تنص المادة (397) على أنه "يُعاقب بالحبس من اعتدى بغير قوة أو تهديد أو حيلة على عرض شخص ذكراً أو أنثى لم يتم الثامنة عشرة من عمره، فإذا كان مرتكب الجريمة ممن أُشير إليهم في الفقرة (2) من المادة (393) تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس". لكن أغلب تلك القوانين لا تُطبّق خوفاً من وصمة العار كما يرى قانونيون وناشطون.

وزارة الداخلية تعترف باتساع ظاهرة التحرّش، لكنها تؤكد اتخاذها لإجراءات عدة أسهمت في مواجهة تلك الظاهرة، مؤكدة اتباعها إجراءات صارمة للحد منها ومعاقبة حتى المقصرين بين عناصرها.