لايف ستايل
.
حصار الفقر، أجبرها على البحث عن فرصة عمل تحميها وأبناءها من الجوع الذي أحكم قبضته على أسرتها، فلجأت إلى مهنة السباكة كحرفة توفر لها "بعض حياة".
في مجتمع قبلي يتسلّح بسلطة العرف والتقاليد التي لا تتعاطف مع ظروف المرأة وترفض دخولها سوق العمل.
كيف وجدت الشابة اليمنية حنان الجرأة للالتحاق بتدريب حرفي للسباكة، لإيجاد مصدر دخل يتجاوز قيود" ثقافة العيب"، وكيف تعاملت مع تحديات وصعوبات اختراق مهنة الرجال؟
تقول حنان بلينكس إن مواصلة الحياة في اليمن "صعب ومرهق" خاصةً بعد أن فقدت زوجها إثر إصابة قاتلة بقذيفة مجهولة أثناء عبوره نقطة تماس بين قوات الحكومة الشرعية والحوثيين في محافظة شبوة جنوب شرقي اليمن عائداً لقريته.
لينضم عنان عناب، 28 سنة، زوج حنان إلى أكثر من 226 ألف شخص قتلوا بشكل غير مباشر في الحرب، وبنسبة 60 % من إجمالي 377 ألف شخص قتلوا بشكل مباشر وغير مباشر في الحرب، بحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2021.
وتضيف "عند مقتل زوجي لم أتمكن من تدبير أموري مع أبنائي الثلاثة، خاصة وأني لم أكمل تعليمي، ولا أتقن أية مهنة، ولا أمتلك أراض زراعية، أو حيوانات للتربية المنزلية".
يُذكر أن 70 % من أسر الأيتام في اليمن، تعاني من صعوبات اقتصادية وتفتقر إلى الخدمات الصحية الضرورية بحسب إحصائيات مؤسسة اليتيم اليمنية.
تقول حنان لبلينكس، إنها قررت مغادرة قريتها وصاب العالي، بمحافظة ذمار وسط اليمن والاستقرار في العاصمة صنعاء، للبحث عن فرصة عمل.
وتؤكد أن قرار مغادرتها لقريتها لأول مرة في حياتها، أشعرها بأنها أمام قرارات جريئة تنتظرها، لتتجاوز محنتها مع أبنائها الأيتام الذين انضموا بحسب آخر الاحصائيات إلى مليون و100 ألف يتيم في اليمن، منهم 60 % لا يستطيعون إكمال تعليمهم، و3 % من ذوي الاحتياجات الخاصة، و4 % يعانون من مشكلات نفسية.
هربت حنان من الجوع في قريتها، لتصبح وأسرتها فريسته في صنعاء.
ومع تَوحُش الفقر على أبنائها وعجز والدتها، التي تسكن صنعاء منذ 15 سنة، عن تأمين الغذاء الأساسي للأيتام الصغار وابنتها الشابة، سمعت عن تدريب للسباكة عبر مؤسسة أنجيلا للخدمات الإنسانية، قررت الالتحاق بالتدريب لتأمين فرصة عمل تكافح بها لإطعام أبنائها محمد وعبدالله وعناب.
توضح حنان لبلنيكس أنها واجهت صعوبة في تقبل والدتها لالتحاقها بدورة السباكة خوفاً من تبعات معرفة أسرة زوجها التي لم تتجاوز رحيلها بعد، يضاف إلى ذلك عدم تقبل أهالي القرية اختراق الأرملة الشابة عالم الرجال الحصري.
ففي المجتمع اليمني، تعتبر مشاركة المرأة في المجال العام منخفضة، إذ صُنف اليمن في ذيل القائمة لمؤشر الفجوة بين الجنسين لعام 2017، في المرتبة 144 من أصل 144 دولة، فيما تصل نسبة وصول النساء والفتيات إلى التعليم 35 %، ولا يحصل سوى 6 % على فرص عمل مدفوعة الأجر.
تقول الشابة العشرينية لبلينكس بصوت هادئ، "للفقر أحكام، لذلك قررت أن أساعد أسرتي الصغيرة وخوض المغامرة لأني أعرف أن فرصي في سوق العمل ضئيلة، فأنا لم أحصل على التعليم، ولا أمتلك مهنة أو حرفة أخرى، فالتحقت بتدريب السباكة لشهرين قبل الخروج لسوق العمل".
وبالرغم من الصعوبات التي واجهت حنان في الجانب البدني ورفض محيطها الاجتماعي الذي أوحى لها بأنها تحتاج لقوة رجل للتعامل مع أدوات السباكة، إلا أنها أثبتت تفوقها في المدرسة.
تجاوزت "أم الأيتام" كما تناديها والدتها، التحديات، وبعد أسابيع من إنهائها التدريب، تمكنت من الالتحاق بدار خيرية بصنعاء والعمل كمربية للأطفال الأيتام، إضافة لإصلاح وصيانة نظام المياه والأنابيب والصرف الصحي في الدار، بعد أن سمع مسؤول الدار عن براعتها في عملها، قرر منحها فرصة عمل مع التزامات أخرى.
تقول إنها تقوم بصيانة أنابيب المياه ومعالجة المشاكل الطارئة التي تظهر في شبكة الصرف الصحي.
كما تمكنت مع الشغف والممارسة اتقان إصلاح الأعطال البسيطة في الغسالات اليدوية، حيث تجد أن المرأة أكثر ارتباطاً بحاجاتها الأساسية في بيئتها المنزلية، مما يفرض عليها التعرف على أساسيات التعامل مع الصعوبات التي تواجهها.
تضيف لبلينكس أن عملها في الدار وفر لها مسكن مع أبنائها يضمن لهم المأكل والمشرب والتعليم وراتب شهري لا يتجاوز 40 ألف ريال، أي ما يعادل (80 دولار) مقابل العمل الشاق الذي يبدأ من الخامسة فجراً، وحتى الحادية عشرة مساءاً، من أعمال التنظيف والاهتمام بالأيتام والسباكة.
وعن ردود الفعل في قريتها، توضح أنها أخفت حقيقة عملها بحيلة أنها تهتم بالأيتام، واكتفى مجتمع القرية بروايتها دون البحث عن التفاصيل.
وتشير إلى أن الوقت لم يمنحها فرصة للتوضيح، خاصةً بعد مرض ووفاة أهل زوجها، ووفاة شقيقيه الآخرين في حوادث مختلفة، ما عرقل الحديث عن عملها.
تؤكد أن السباكة التي تعرف بأنها حرفة تركيب وصيانة وإصلاح نظام أنابيب المياه في المباني والصرف الصحي، أكسبتها قوة شخصية لاختراق سوق العمل في المجتمع الذكوري، الذي فضلها للعمل في الدار لكنه حمّلها أعباء عمل إضافية.
تقول مديرة مؤسسة أنجيلا للخدمات الإنسانية، الدكتورة أنجيلا الإرياني لبلينكس، إن المؤسسة رصدت احتياجات سوق العمل، ونظمت تدريب السباكة لخدمة شريحة النساء من المطلقات والأرامل.
وأضافت أن الهدف من ذلك هو تمكينهن اقتصادياً، في محاولة لخلق فرص جديدة نوعية تواجه القيم الثقافية التي حدّت من أنواع العمل التي يمكن أن تؤديها المرأة في المجتمع الزراعي القبلي والأبوي، الذي يُحمّلها أعباء الحرب ويفرض عليها ثقافات صارمة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة