40 ألف تونسي يبحثون عن بديل للأرز

توضح أميرة لبلينكس، أنها عرفت بإصابتها بداء الأبطن (السيلياك) صدفة بعد إخضاعها لفحوص طبية إثر ظهور علامات على جلدها في سن المراهقة.

وتقول إن حياتها منذ تلك اللحظة تحوّلت إلى مأساة، حيث أكّد الطبيب لوالدتها أنها تشكو من مرض يصيب غشاء الأمعاء ويجعلها تتحسس من مادة الغلوتين الموجودة أساساً بالقمح والشعير.

ألزم الطبيب أميرة باتباع حمية غذائية صارمة تُجنّبها أعراض المرض، فبدأت الشابة في تناول وجبات من الأرز أو الذرة، لكن منذ عام تقريباً ازدادت حياة أميرة تعقيداً، فالأرز أصبح نادراً أو مفقوداً على خلفية انتهاج السلطات التونسية لنمط اقتصادي يقضي برفع الدعم تدريجياً عن المواد الأساسية.

دفعت هذه الصعوبات الاقتصادية بأميرة إلى طحن الذرة بالاستعانة بجهاز منزلي وخَبزه حتى لا تموت جوعاً، لكنها "تفضل الجوع على هذا الخبز الذي يشبه الخشب" فهو جاف وقاس.

في المقابل لا بديل لها عنه، فأسعار المعجنات والأغذية المصنوعة من الذرة أو منزوعة الغلوتين عالية جداً وتصل إلى 7 دينارات أي ما يعادل 3 دولارات للـ400 غرام من المعكرونة، في حين أن دخل والديها المتقاعدين من التعليم محدود.

مع الإشارة إلى أن أثمان الذرة الموردة تضاعفت من 35 دينار، ما يعادل 12 دولاراً إلى 70 دينار (23 دولارا) للكيس من فئة 50 كلغ، كما أنها غير متوفرة بالكم الكافي والمطلوب نظراً للصعوبات المالية للدولة التي تتقهقر مدخراتها من العملة الأجنبية باستمرار.

لا يناضل "السيلياكيون" من أجل توفير الأرز فحسب، فالدولة التونسية بدأت في خذلانهم منذ سنوات طويلة، بعد رفض وزارة الشؤون الاجتماعية التوصل إلى اتفاقٍ مع صندوق التأمين على المرض (حكومي)، يتضمن كيفية مساهمة الدولة في التكفّل بالمستلزمات الغذائية للمصابين بداء السيلياك لتخفيف الأعباء المرتبطة به، وبإدراجه كذلك ضمن قائمة الأمراض المزمنة التي تسمح لحاملها بالحصول على دعم كامل من الدولة.

في هذا الإطار، كشف رئيس الجمعية التونسية لمرضى السيلياك الدكتور منجي بن حريز، أن عددهم في حدود 100 ألف، لكن بين 30 و40 ألف منهم فقط تم تشخيص إصابتهم ويتبعون الحمية.

ويضيف أنه مع "تواصل الصعوبات فإنهم يتعايشون مع آلام المعدة وعسر الهضم والإسهال وغيرها من الأعراض لكن الأخطر أنهم يسيرون في طريق سريعة باتجاه هشاشة العظام أو تلف الأعصاب وحتى سرطان الأمعاء القاتل" بحسب قوله.

رفض فاكتئاب فنجاح، مراحل مرت بها ألفة جدلي، إحدى الأمهات اللاتي لم تتقبلن في بداية الرحلة إصابة أحد أطفالها بمرض السيلياك، لكنها أيضاً نجحت أخيراً في تحويل الألم إلى أمل.

تروي ألفة أنها لم تتفهم قبل 6 سنوات، اختلاف ابنتها الصغرى عن أخوتها، وتغيير نمط حياة العائلة برمتها التي تستهلك كغيرها من التونسيين كميات كبيرة من الحبوب والمعجنات.

وبمحض صدفة شاهدت ألفة برنامج طبخ صنعت مقدمته بسكويتاً من مادة الشوفان، فانطلقت في الحين في تجريب وجبات ملائمة لوضع طفلتها الصحّي، وخلق أفكار جديدة.

ثم بدأت الأم في نشر وصفاتها على موقع فايسبوك لتعميم تجربتها على بقية الأمهات للاستفادة منها، فانهالت عليها طلبات "الزبائن" الراغبين في شراء المعكرونة أو الخبز والكسكسي المصنوعين من المواد الخالية من الغلوتين، المسموح بتناولها لمرضى السيلياك.

تقول ألفة إنها بفضل مرض ابنتها وجدت لنفسها سبيلاً لتوفير دخلٍ محترمٍ، خاصةً بعث الأمل في بقية العائلات.