إغراء "الشاشيّة" التونسية.. رياض يترك الطب ويمتهن صناعتها

على يمين الطريق المؤدية إلى جامع الزيتونة تجد دكان "البيت الإفريقي للشاشية" وهو البيت الذي ورثه الدكتور رياض بن يوسف عن والده وعمّه بعد أن تخلّى نهائياً عن ممارسة مهنته الأصلية، وكرّس حياته للصناعات التقليدية وحياكة الشاشية.

يقول بن يوسف لبلينكس بكثير من الشغف إن متعة تحويل كوم من الصوف إلى لباسٍ فاخرٍ و"ملكي" لا تضاهيها شهادات الكون.

وعن تفاصيل قراره بتحويل مساره المهني يؤكد محدثناً أنه كان منذ صغره يقضي العطل وأيام الراحة في تعلّم الحرفة من والده، وبعد تفوقه في الباكالوريا تحصل على توجيه جامعي إلى كلية الطب بتونس فزاول تعليمه بها لكنه تفطّن بعد أكثر من عقد أن مكانه الطبيعي هو بين الإبر والخيوط بالسوق وليس غرفة العمليات.

ويستدرك قائلاً "في الحقيقة إن الجراحة وصناعة الشاشية لا تختلفان كثيراً، فالجرّاح مطالب بالدراسة طيلة 15 سنة، وكذلك صانع الشاشية عليه التعلّم سنوات طويلة للحصول على لقب "معلّم"، والجرّاح يعوّل على أنامله وحضوره الذهني تماماً كصانع الشاشية، والجرّاح أيضاً عليه أن يتحلّى بالصبر مثله مثل الشوّاشي."

في السوق ذاتها، مازال الشيخ هادي ذو السبعين عاماً متمسكاً بالعمل رغم إلحاح عائلته بالركون إلى الراحة، لكنه يعتبر أنه بصناعة الشاشية وترويجها في الخارج يتحدّى الزمن ويصارعه لإحياء ميزة مهمة من الهوية التونسية تعود للقرن الخامس عشر، كان قد أحضرها العرب من الأندلس بعد سقوط غرناطة، فأبدعوا في احترافها لتصبح بلونها الأحمر مدلولاً على الوطنية لاقترانها بلون العلم التونسي.

ويضيف هادي أنّ هذه الحرفة ورغم عراقتها تمرّ بصعوبات كبيرة منذ عقود بسبب غزو البضائع المقلدة وهجران أهلها، فالجيل الجديد، حسب تقديره، لا يقوى على الجلوس طيلة 40 ساعة أو أكثر لصنع شاشية واحدة لا يعادل ثمنها سعر كيلوغرام من اللحم.

وبسبب ركود سوق الشواشية تقلّص عدد الحرفيين من 54 سنة 1950، إلى 13 فقط، جميعهم توارثوا "الصنعة" عن آبائهم أو أجدادهم.

ويوضح هادي أن السوق المحلية لم تعد تستوعب إنتاج الشواشية في العاصمة تونس ومحافظات الساحل والقيروان المعروفة بهذا اللباس التقليدي، في المقابل، "سلعنا تلقى الرواج الحسن في مالي ونيجيريا وحتى إسطنبول، لأن الشاشية التونسية ذات جودة عالية، باعتبار أن صناعتها تتم بالكامل يدوياً ومن أجود أنواع الصوف"، وفق وصفه.

وفي السنوات الأخيرة عاد بريق اللباس التقليدي التونسي نسبياً، حيث أصبح التونسيون يحيونه في يوم العيد الوطني، فيخرجون لعملهم مرتدين الشاشية أو الجبّة (رداء طويل للنساء والرجال) أو الحليّ الأمازيغي المصنوع من الفضّة.

كما ظهرت أيضاً ماركات تونسية متخصصة في صناعة لباس عصري بطابع تقليدي.