منتج زراعي بأيادٍ نسائية في كوب 28

تجلس حنان في المنطقة المخصصة للشركات الناشئة في مؤتمر المناخ، تحيط بها من كل اتجاه زجاجات السماد الزراعي السائل الذي طوّرته شركتها على مدار الأعوام الـ٣ الماضية.

الشابة اللبنانية ليست متخصصة في الهندسة الزراعية، لكنها ترجع فكرة المشروع إلى مجتمعها المحلي وعائلتها التي تعمل بالزراعة والتي لمست من خلالها كيف يعاني المزارعون مع أسعار الأسمدة الكيميائية المتزايدة، فتشرح لـ"بلينكس" الأمر قائلة: "وقت بلش التضخم بلبنان، كان في صرختين، صرخة إدارة النفايات العضوية، وصرخة ارتفاع أسعار الأسمدة الكيميائية".

على الرغم من الضغوط الاقتصادية المتزايدة، كانت الظروف في صالح حنان وشقيقتها زينب، إذ اضطرتا إلى العمل فترات من المنزل جراء انتشار جائحة "كوفيد-١٩"، مما مكنهما من استثمار المزيد من الوقت في البحث حول مشروعهما الذي استهدف الإجابة عن سؤال، كيف نتخلص من النفايات العضوية ونوفر للمزارعين سمادا سائلا بسعر مناسب في الوقت ذاته.

بعد ٣ سنوات من البحث والجهد والتجربة تمثّلت الإجابة أخيرا في منتج يُطلق عليه "سمادي" والمُصنّع من النفايات العضوية التي تجمعها شركة غارباليزر بطريقة خاصة.

في أثناء حظر التجوال والتباعد الاجتماعي، تعاونت حنان وزينب على تنفيذ نموذج محاكاة أول لمشروعهما، بتكلفة لم تتخط 50 دولارا أميركيا، ثم نموذج آخر أكثر توسعا بتكلفة 300 دولار أميركي.

في البداية لم يكن ممكنا الاستثمار في معمل كبير لتنفيذ المشروع، ومن ثم بدأت الفتاتان في مزرعة دواجن قريبة، وبعد التوسع انتقلتا إلى بستان يملكه جدهما الراحل ولم يُستخدم منذ سنوات، ليبدأ العمل في التوسع وضم مبانٍ جديدة.

أما فريق العمل الذي تكوّن من فتاتين ليس إلا في البداية، فسرعان ما توسع ليضم مهندسين زراعيين ومتخصصين في مجالات شتى.

وتقول حنان عن "غارباليزر": "لما بلشت (بدأت) المشروع أبدا ما فكرت فيه من ناحية البيزنس، فكرت أنو في مشكلة لازم نلاقيلها حل، وبلشنا البحث، وكانت مرحلة تعلم، وكان في أشخاص حوالينا بيعلمونا ويوجهونا".

على الرغم من حصولهما على دعم بعض المقربين وبعض الجهات التدريبية والبرامج التمويلية، لم يكن المجتمع المحلي متقبلا تماما لمشروع حنان وزينب، وليس بسبب فكرة المشروع بحد ذاتها، وإنما لم يتقبل فكرة أن الفتاتين تعملان في مهنة محصورة عادة على الرجال.

وتقول حنان: "إحنا بنتين من ضيعة (قرية) نوعا ما عنا عادات أنه السيدة مش مقبول يكون عندها بيزنس.. هيدي أول صعوبة أنهم يتقبلوا أنه إحنا نقدر نوصل لشي.. فالفكرة إنك تتحدي حالك وما تقبلي آراء الآخرين السلبية".

ولكن بالتوازي مع تطوير المنتج وإعداد نظام الإنتاج، أجرت الفتاتان سلسلة من التقييمات والمحاورات مع نحو ألف مزارع، لمعرفة توجهاتهم بشأن المنتج الجديد، واحتمال تقبلهم له.

بعد أشهر من العمل جاءت اللحظة المنتظرة، إذ قدمت حنان وشقيقتها المنتج إلى المزارعين كي يختبروا صموده أمام الأسمدة الكيميائية التقليدية، في تلك اللحظة، لم تكن هناك خطة مبدئية حول السعر السوقي للمنتج، "ننتظر النتيجة فقط".

في البداية اختبر المزارعون المنتج بصورة منفردة في قطعة من الأرض الزراعية، ليقارنوا نتيجته ببقية الأرض الزراعية المستخدم فيها أسمدة كيميائية، فتقول حنان عن النتيجة: "ما في فرق بين الميلتين (الجهتين)، السماد الطبيعي يقدر ينافس السماد الكيميائي هيدا شي مهم، وقدرنا نعمل دراسة أكبر ونشوف أنه بيعمل أثر على النمو الخضري والتزهير والتكبير ويحمي النباتات من الأمراض وأكتر صحية للبشر".

تقضي حنان يومها الآن في الإجابة عن استفسارات رواد مؤتمر المناخ المصحوبة بالدهشة عن مشروعها، من الولايات المتحدة والصين والمغرب والجزائر وحتى لبنان، يريد الجميع أن يعرف سر دائرة التحول المغلقة من نفايات عضوية إلى سماد سائل.

في الوقت ذاته، عقدت شركة غارباليزر شراكة مع شركة من الإمارات تديرها شابة تُدعى ريم المرزوقي، تسعى بدورها إلى استخراج مياه صالحة للاستخدام الزراعي من النفايات العضوية.

تعتقد حنان أنها اليوم في مكانها الصحيح فتقول: "هيدي أول مرة لألنا في كوب.. قبل كان بدي كون في كوب، لأن أهداف المؤتمر هي أهداف غارباليزر؛ الاستدامة وتخفيض الانبعاثات، هيدي فرصة كبيرة".