"الملوثات الأبدية".. كيف سافرت معنا من القرن العشرين؟

بالإنجليزية تُعرف تلك المركبات العصية على التحلل بالاسم "بولي فلورو ألكيل" (PFAS) أو بالعربية الفاعلات بالسطح الفلورية.

وتشكل تلك المركبات أخطار بيئية جسيمة إذا أنها تتسلل عبر أنماط الحياة، وتسري من المياه الجوفية حتى تصل إلى ثلوج القطب الجنوبي، وصولا إلى بيض السلاحف وأكباد الدببة القطبية.

وقد طُورت هذه الجزيئات بالأصل في القرن العشرين، بعد الحرب العالمية الثانية، إذ كان من المفترض أن تمنح التغليف والدهانات مقاومة استثنائية للماء والحرارة.

ويصف المتخصص في التلوث البيئي، في معهد الأبحاث الفرنسي لعلوم المحيطات (IFREMER) يان أمينو، تلك المركبات بكونها "مركبات عنيدة"، فهي عصية على التحلل وفي الوقت ذاته قادرة على التحرك، وعادة ما ينتهي بها المطاف في البيئة البحرية التي تتحول لـ "وعاء تلوث" حد تعبيره.

وتُستخدم هذه المواد على نطاق واسع في الحياة اليومية، وهي صلبة للغاية، وبطيئة جدا في التحلل.

توجد في كل مكان.

فوفقا لوصف أمينو، لم يفلت أي نظام بيئي من هذه الملوثات.

وصل الباحث إلي هذه النتيجة بعد إنفاق 6 سنوات من عمره يفحص أسماك التونة في المحيطين الهندي والهادئ، كما فحص كبد الدلافين في خليج بسكاي، وفحص عينات من مزارع المحار الفرنسية. يقول: "لا أعتقد أنني رأيت عينة واحدة خالية من الملوثات المشبعة بالفلور".

قد تتخيل أن بعض الأنظمة البيئية البعيدة عن حداثة المدن والتكتلات الصناعية قد نجت من تلك الملوثات، إلا أنك مخطئ.

فتقول دراسة نشرتها يناير الماضي الجمعية الكيميائية الأميركية، وهي منظمة علمية غير ربحية، إنه تم اكتشاف ملوثات PFAS في المحيط المتجمد الشمالي على عمق 914 مترا.

وأثبتت دراسة أجريت عام 2022 في أستراليا، انتقال مركبات PFAS من إناث السلاحف إلى نسلها حتى قبل الولادة، بينما وجدت أبحاث أخرى آثارا لهذه المواد الملوثة في كبد الدب القطبي والطيور والفقمات وحيوانات أخرى.

وأظهرت مجموعة واسعة من الأبحاث العلمية مدى انتشار الفاعلات بالسطح الفلورية في الطبيعة، ولكن كان من الصعب تحديد الأضرار المحتملة على البشر والكوكب بشكل نهائي.

قبل أكثر من 20 عاما، خلصت دراسة أجريت في الولايات المتحدة إلى أنه بمجرد دخول "الملوثات الأبدية" إلى الجسم، قد تكون قادرة على الوصول إلى دماغ الفقاريات والتأثير على الجهاز العصبي.

وقد أظهرت الدراسات منذ ذلك الحين أن التعرض لبعض مركبات PFAS، قد تكون له آثار صحية خطيرة على البشر والحيوانات.

ولكن هناك تحد آخر، إذ أن الأضرار المحتملة وطويلة الأمد لتلك المركبات غامضة إلى حد ما، حيث يصعب النظر في تأثير هذا الخليط من المركبات الكيميائية التي ترتبط في أحيان كثيرة بـ "أسرار الصناعة".

فيقول أمينو إن ما يعرفه العلماء "ليس سوى قمة جبل الجليد".

وقال الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي بيار لابادي: "لا يتعرض الكائن البري أبدا لمادة واحدة من الملوثات الأبدية، بل لخلطة متنوعة منها".

تتزايد الدعاوى القضائية والضوابط التنظيمية التي تستهدف تلك المركبات. فرنسا على سبيل المثال أصبحت أحدث دولة تفكر في فرض قيود جديدة صارمة على هذه المواد الكيميائية.

وقدم يوم الخميس 4 أبريل، نائب فرنسي مشروع قانون لمعالجة ما يسميه "الطوارئ الصحية" التي يفرضها التعرض لهذه "الملوثات الأبدية" في البيئة.

وطلب عالم البيئة الفرنسي النائب نيكولا تييري، من المشرعين حظر الفاعلات بالسطح الفلورية اعتبارا من عام 2025، إذا كانت هناك بدائل لها.

ويدرس الاتحاد الأوروبي فرض حظر شامل على مستوى أوروبا على هذه المركبات اعتبارا من عام 2026، بينما ستحظر نيوزيلندا استخدامها في مستحضرات التجميل بحلول عام 2027.

ومطلع الشهر الجاري، وافقت محكمة أميركية على تسوية قضائية قبلت فيها شركة "ثري ام" 3M بدفع مليارات الدولارات بسبب استخدامها "الملوثات الأبدية" في إمدادات المياه العامة.

وفي فبراير، أشارت هيئات أميركية إلى إن المواد التي تحتوي على مركبات الـPFAS لن تُستخدم في تعبئة الفشار المخصص لأفران الميكروويف أو الأطعمة الدهنية الأخرى.