غزة في "كان".. هكذا شاهد المخرجون الفلسطينيون الحرب

كان المخرج الفلسطيني المخضرم، رشيد مشهراوي، خارج غزة عندما اندلعت الحرب أكتوبر الماضي، فقرر تسليم الكاميرا لمخرجين آخرين بقوا داخل القطاع المحاصر.

ما حكاه هؤلاء من قصص سينمائية تحت القصف؛ أصبح المشروع السينمائي الذي عرضه مشهراوي في مهرجان كان مايو الجاري، وقوامه مجموعة من الأفلام القصيرة بعنوان "من المسافة صفر"، تنقل أجواء ما تعيشه غزة في ظل القصف الإسرائيلي، والكارثة الإنسانية التي نتجت عنه، من منظور المدنيين على الأرض.

في أحد هذه الأفلام القصيرة، تضع أم هجّرتها الحرب ابنتها في وعاء أبيض كبير، ثم تسكب عليها الماء برفق لتحميمها، مستخدمة ركوة نظيفة لإعداد القهوة التركية.

وفي فيلم آخر، يروي رجل معاناته التي استمرت 24 ساعة تحت الأنقاض بعد انهيار المبنى الذي كان فيه.

يؤكد مشهراوي، أن صناع الأعمال السينمائية تذوقوا المعاناة ذاتها التي تذوقها أهالي القطاع المحاصر، فيقول: "كانوا يكافحون لحماية حياتهم وعائلاتهم وإيجاد الطعام والحطب لإشعال النار".

وتولّى مشهراوي من الخارج توجيه الفرق العشرين الموجودة في غزة، لإنتاج الأعمال، وهي عملية وصفها بأنها "بالغة الصعوبة".

يشرح مشهراوي: "في بعض الأحيان كنا نحتاج إلى الانتظار ما بين أسبوع وعشرة أيام لنتمكن من الاتصال بشخص ما، أو لنتمكن من الاتصال بشبكة الإنترنت لتحميل المواد المصوّرة".

وفي أوقات أخرى، كانت فرق العمل تنهمك بهموم الحرب اليومية، كإيجاد خيمة مثلا، أو الحصول على الأنسولين لوالدة أحد المخرجين، أو تدبير "سيارة إسعاف لإنقاذ عدد من الأطفال".

لكن حصة فلسطين من الأعمال المعروضة في مهرجان كان لهذا العام، لم تقتصر على سلسلة "من المسافة صفر"، بل قدمت فلسطين أعمالا أخرى، من بينها الفيلم الدرامي "إلى عالم مجهول" للمخرج الفلسطيني الدنماركي، مهدي فليفل، الذي تدور أحداثه في أثينا ويتناول واقع اللاجئين الفلسطينيين.

يقول المخرج الفلسطيني المقيم في النرويج محمد الجبالي: "إن سرديتنا وروايتنا للقصص باتت اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى".

وفرغ الجبالي من تصوير فيلمه الأحدث "الحياة حلوة" قبيل اندلاع الحرب، لكن صديقا قريبا منه صور المشهد الأخير من هذا الوثائقي لم ينجُ من الحرب، إذ قُتل في أثناء انتظاره للحصول على المساعدات الغذائية، بحسب ما أفاد المخرج.

ويأمل منير عطا الله من شركة "ووترميلون بيكتشرز" في الولايات المتحدة، في التمكن من عرض الفيلم في أميركا الشمالية، ملاحظا أن "حراس بوابة الصناعة السينمائية" حرصوا طويلا على إبعاد الفلسطينيين عن الشاشات الأميركية.

ولكن على مدار أعوام تمكن عدد من المخرجين الفلسطينيين من التسلل عبر الشاشات بأعمالهم، لاستقطاب المشاهدين في الولايات المتحدة، ومن بين هؤلاء المخرجة شيرين دعيبس، التي أخرجت فيلم "أمريكا" Amreeka عام 2009، كما شاركت في إخراج مسلسل رامي الذي حقق نجاحا كبيرا على منصة هولو.

لكن تصوير فيلمها الأخير تعطل بسبب حرب غزة، وما كان من علاء أبو غوش، أحد أفراد طاقم العمل، والموجود على الأرض في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، إلا أن أنتج فيلما وثائقيا عن المشروع المتوقف، أطلق عليه بالإنكليزية عنوان Unmaking Of.

يقول أبو غوش: "الفيلم يطرح السؤال حقا: ما أهمية صناعة الأفلام والفن في هذا النوع من المواقف، في هذه الحرب؟".