"متلازمة المنقذ".. حب المساعدة أو هوس البطولة؟

متلازمة المنقذ هي شعور الشخص بحاجة مفرطة لإنقاذ أو مساعدة الآخرين بشكل مستمرّ، حتى على حساب راحته الشخصية أو مصلحته. ويعتقد "المنقذ" بأن "هناك شخص قادر بمفرده على تحسين كل شيء، وأنه هو هذا الشخص"، كما يقول عالم النفس الإكلينيكي في واشنطن Dr Maurey Joseph.

يسعى هؤلاء الأشخاص دائماً أن يكونوا مفيدين ومهمّين في حياة الآخرين، ويشعرون بقيمتهم الذاتية من خلال إرضاء الآخرين، بل وإنقاذهم عند وقوع أدنى مشكلة أو حتى في الأحداث الكبيرة (كارثة طبيعية، أزمة صحية).

إنّ الشعور بالمسؤولية تجاه الآخر ليس دائماً بالأمر الضار، كما هي الحال تجاه الأهل أو الأبناء. فهذه الصفة فطرة بشرية نشأت عليها كل المخلوقات، حتى الحيوانات تحمي صغارها. ولكن يصبح الأمر ضاراً عندما يسبّب الأذى للشخص، وإن كان عن غير قصد، ومثال على ذلك الأم التي تسعى دوماً لحماية وإنقاذ أطفالها بشكل مبالغ فيه، فهي تساهم في نشأة طفل يحمل الكثير من المشاكل النفسية (الإتّكالية، الأنانية، وحب الذات...).

هنا يتحوّل الشخص من "الحدود الطبيعية" لتقديم المساعدة، إلى الشعور بأنه "البطل"، ما يسمّى بـ "متلازمة المنقذ".

تشير ياسمين العيساوي أنه لا يمكن تصنيف هذه الحالة كاضطراب نفسي، لأنها ليست مصنّفة ضمن الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5). لكنها يمكن أن تكون دليلاً أو عارضاً لبعض الأنماط السلوكية والاضطرابات النفسية، منها:

• اضطراب الشخصية النرجسية: الحاجة المستمرة للإعجاب والتقدير، الانشغال بالتفوق على الآخرين، إحساس مبالغ فيه بالأهمية والانتظار من الآخرين رد الجميل أو الشكر الكثير على دور الإنقاذ الذي لعبه.

• اضطراب الشخصية الاعتمادية: خوف من الفقدان والانفصال، التسامح مع الإساءة والمعاملة السيئة، البحث عن علاقات جديدة بعد انتهاء اي علاقة لممارسة دور المنقذ من جديد، الشعور بالعزلة، صعوبة في اتخاذ أي قرار شخصي، والاستمرار في مساعدة الآخرين في اتخاذ قراراتهم.
• التعلق المرضي: الخوف الشديد من هجر الآخرين، الشعور بالدونية وعدم تقدير النفس، مشاكل في العلاقات الاجتماعية، القيام ببعض السلوكيات غير المناسبة للمرحلة العمرية، العدوانية والانفعالات غير المبرّرة.

غالباً ما تنبع متلازمة المنقذ من قضايا نفسية عميقة، مثل الشعور بعدم الأمان أو التقدير الذاتي المنخفض. لذلك قد يجد هؤلاء الأشخاص أنفسهم في علاقات غير صحية، حيث يعتمد الآخر عليهم بشكل مفرط أو يستغلونهم. بالإضافة إلى أنّ التربية تلعب دوراً في تكوين شخصية كل شخص، و"نشأتنا على صورة العائلة وهي تضحي، وأبطال الأفلام.. قد يبني في عقول الإنسان مفاهيم مغلوطة لمعنى الحب والاحتضان، ولكن يجب على كل شخص أن يصل لفترة ينضج فيها ويرى بعين حكيمة مدى تأثير تجربة الحياة عليه"، كما تنوّه ياسمين.

يعتبر "المنقذ" شخصية إيجابية بالنسبة للآخرين، من خلال تقديم المساعدة المستمرة للآخر والقدرة على تقديم العون. لكنه يمارس كل أنواع السلبيات على نفسه: تجاهل الاحتياجات الشخصية، الإرهاق النفسي والبدني، خلق اعتماد مفرط لدى الآخرين، والشعور بالإحباط في حال لم يتلقى الإطراء.

إنّ التوازن بين دعم الآخرين والاعتناء بالنفس، هو أساسي. وعليه، من المهم اتّباع خطوات تساعد على بناء هذا التوازن، منها:

• وضع حدود واضحة للذات وللآخرين، وعدم التردد في قول "لا" عندما يكون الشخص غير قادر على تقديم المساعدة.
• تخصيص الوقت للنفس والرعاية الذاتية، والتأكد من تلبية الاحتياجات الجسدية والنفسية.
• تشجيع الآخرين على الاستقلالية، بدلاً من تعزيز الاعتماد المفرط على الآخر.
• مقاومة الرغبة في التدخّل والاكتفاء بأن تكون مستمع لمشكلة الطرف الآخر.
• التأكد من أن مساعدة الآخرين تأتي من دافع صحي، وليست طريقة لتجنب مشكلات خاصة.
• تجنب الأشخاص الذين يستغلون أو يعتمدون بشكل مفرط على الآخر.
• استخدام التواصل الفعّال، للتأكد من التوافق بين توقعات الشخص وتوقعات الآخرين.