ثقافة الاستعجال.. سلوك "قلق" يعزّزه عصر السرعة

إنّ ثقافة الإستعجال هو الإلحاح لإنجاز العمل بسرعة، أو لإنهاء أي مهام سواء شخصية أو مهنية، وأن يكون الشخص متاحاً دائماً لتلبية متطلبات العمل. وغالباً من لديه ثقافة الاستعجال، يستمرّ بالعمل بشكل متواصل حتى خارج أوقات الدوام.

وفي حديث لـبلينكس، يشير الباحث والخبير في تطوير المهارات شهاب احمد الريامي، إلى أنها ظاهرة سلوكية منبثقة من بيئة الإنسان الذي تأقلم فيها وتكيّف فيها. ذلك أنّ الفرد يكون قد اعتاد في بيئته الثقافية والإجتماعية، على الكفاءة والسرعة والعمل الدؤوب والسريع، وبالتالي عندما يدخل عالم العمل يكون هناك نوع من التكامل.

لكن من جهة ثانية، الانسان الذي لم يتعود على هذه الثقافة، يشعر بنوع من الاستنزاف والضغط النفسي، ممّا يؤثر على صحته واتّزانه النفسي.

ولا تقتصر هذه الثقافة على المستوى المهني، بل تطال الجانب الشخصي، فمع انتشار تطبيقات المراسلة الفورية ووسائل التواصل الاجتماعي، قد يتوقع الشخص الآخر أنك متاح على مدار الساعة.

وإذا ما تمّ الطلب منك القيام بأي مهمة، يعتقد الآخر أنه عليك بالإستجابة الفورية، وهو ما يفسّر تضمين البعض في رسائلهم كلمات مثل: urgent، الرجاء الردّ بسرعة، أو الاتصال بشكل مستمرّ أو إرسال رسائل نصية على كل التطبيقات.

يؤكّد شهاب في حال لم تكن ثقافة الاستعجال خاضعة لطرق استراتيجية ونظريات مهنية، فهي بالتأكيد ستؤدي إلى استنزاف صحة الإنسان النفسية والجسدية. ذلك لأنّ ممارسة هذا السلوك والطلب بالإلحاح، "يحتاج أن يتهيّأ الشخص لاستقباله، ويكون على علم بالهدف وراء حالة الاستعجال".

إنّ القائد الذكي يعرف كيف يوجّه موظفيه، ما إذا كان هناك حالة طوارئ تستدعي العجلة، أو المهنة بحدّ ذاتها تتطلب منك مهارة العمل تحت الضغط والاستعجال والعمل على deadlines، كما هو الحال في مهنة الطب والإعلام والهندسة، حيث لا مجال أحياناً للمساومة على الوقت والتأخير في تسليم المهام. وكلّما أدرك الانسان القيمة والهدف من العمل، سيعمل بدون كلل أو تذمّر.

أما تأثير الاستعجال على الصحة:

• الشعور بالضغط نتيجة التراكمات التي تحدث معه من مسؤوليات في حياته الخاصة والمهام في العمل
• التوتر والقلق المستمر
• العزلة بعض الشيء، نتيجة انخفاض الرغبة في التواصل
• التعرّض للـ"تبلّد الذهني" أو البطء في التفكير نتيجة الضغط
• آلام جسدية منها في الكتف والظهر بسبب بسبب الشد الذهني والتركيز

من المهمّ أن يدرك أيّ شخص أنّ وقت الفراغ، ليس دليلاً أنك متوفّر وأنّ الاستعجال غير المبرّر لا فائدة منه. هناك اشخاص تتفهم وتتعاطف مع الموظف في العمل، ولا تستنزف طاقتهم، بل تمنحهم الوقت في التفكير واليقظة الذهنية والتنظيم والراحة، بحيث لا يصيب الآخر بالتوتر والضغط الذي قد يحطّم الشخص ويرهق صحته.

ويتحدّث شهاب الريامي عن بعض الخطوات، من أجل كيفية التعامل مع هذا السلوك والأداة كي تكون يستفيد منا الشخص، أهمها:

• معرفة الهدف من العمل سواء في المجال الشخصي أو المهني
• كتابة الأهداف وترتيب الأولويات، والتمييز بين ما هو ضروري وغير ضروري وما هو مستعجل أم لا.
• الاهتمام بموعد التسليم للمَهام، فهو محفّز في صناعة الإنجازات، ذلك لأن العقل يميل الى الاسترخاء. فعندما يكون هناك وقت للتسليم، فيصبح هناك نوع من القلق الجيّد لتحريكنا الى الهدف.
• استشارة بعض المعنيين في حال هناك استعجال غير مبرّر، خاصة أنّ دور القائد أو المدير أن يتأكد أنّ الانسان على علم بالهدف كي لا يقع في فخّ عدم الإنجاز.

سواء كانت في المؤسسة أو على نطاق الأسرة، إنّ الاستعجال في الحياة وإيقاعها ووتيرتها، متى كان منظّماً في إطار جدول محدّد، وبطريقة احترافية وإدارية جيدة، فإنّ ما يميّز هذا السلوك أنه يعمل على تسريع وتيرة العمل، ويكون هناك إنجاز أكبر. وبالتالي "قد تكون نسبة وتناسب مع الكفاءة والإنتاجية.. بمعنى ممكن أن تزيد الإنتاجية لكن الكفاءة تقل، أو العكس"، كما يشير شهاب الريامي.

لكن من جهة أخرى، إنّ الإلحاح من شأنه أن يؤدي إلى تقليص الإنتاجية وقلّة الكفاءة، بسبب الوصول إلى حالة يشعر بها الفرد بعدم الرغبة في العمل، وانتظار انتهاء الدوام كي يخرج "لأنّ بيئة العمل لم تعد تناسبه، خاصة وأنّ الموظف يقضي ٤٥ أو ٥٠٪ يقضيها في العمل" كما ينوّه شهاب. ويضيف: إنّ ممارسة المدير أو المسؤول لثقافة الأوامر من دون شرح، ومن ثم البدء باللوم والعقاب والإنذار والانتقاد في حال لم يحقّق الموظف المهمّة، هي مؤشّرات أنّ هذه المؤسسة لا تتمتّع بثقافة إدارة السلوك والعمل والتعامل مع المهمّات التي توكل إلى الموظّف.

ومن فوائد التأني أو التريّث:

• تجنّب الوقوع في الخطأ من خلال التريث في اتخاذ أي خطوة
• التركيز على تحقيق الأهداف بعد تحديد أولوياتها
• التركيز على تنفيذ المهام اليومية والمسؤوليات
• تفادي التعب والإرهاق
• عدم فقدان الشغف بما تقوم به
• القدرة على التحكّم بالانفعالات وضبط ردود الأفعال
• تعزيز التواصل
• تعزيز فكرة الالتزام وتحمّل المسؤولية