أسواق
.
هل سمعتم سابقا عن كلمة تضخيم الأرباح؟ لنبسط لكم المفهوم، بافتراض أن لديك عائدا من المال لنقول إنه دولار واحد، حينما تستخدم هذه الاستراتيجية فهذا يعني زيادة قيمة المال بشكل أكبر من مستواه الفعلي.
هل تريد تطبيقا عمليا من الحياة الحقيقية؟ نادي يوفنتوس الذي تعرض لخصم 10 نقاط منه بعد قرار المحكمة الفيدرالية للاتحاد الإيطالي لكرة القدم في آخر ما ظهر في القضية التي تتمحور حول تضخيم الأرباح.
يأتي هذا فقط بعد أيام من قرار مجلس الضامنين للجنة الأولمبية الإيطالية بإعادة النظر بخصوص قرار عقوبة خصم 15 نقطة في وقت سابق.
ما الذي يعنيه ذلك؟ تجميد عقوبة خصم 15 نقطة، وخصم 10 نقاط فقط، وهذا لحسن حظ يوفنتوس تخيلوا أن يكون الخصم 25 نقطة، أي أنه سيكون في أقرب المراكز للهبوط مع تبقي جولتين فقط، وهو المركز 15.
في العام 2003 كانت شركة "هيلث ساوث" الرائدة في مجال الرعاية الصحية في أميركا تتصدر الأرباح إلا أنه بعد مراجعة المدققين في حساباتهم وجدوا أن الشركة ضخمت الأرباح بأكثر من 1.8 مليار دولار.
بداية عام 2023 كانت غريبة وفوضوية على يوفنتوس، فوضى مطلقة واستقالة مجلس الإدارة بقيادة أندريا أنييلي، النادي كان يحاول الهروب من مواسم سيئة بعد فوزه بالدوري في 2019-2020، وإذا به يصطدم بحائط كبير لا مجال لتخطيه.
يوفنتوس من بين عدة أندية تمارس بعض الحسابات الخاصة التي يمكنهم من خلالها الاستمرار دون عقوبات، لكنهم النادي الوحيد دون غيره الذي دائما ما يقع في الفخ ويفتضح أمره ويعاقب.
ريتشارك سكراشي كان الرئيس التنفيذي لشركة هيلث ساوث، حققت معه لجنة الأوراق المالية والبورصة في وقت سابق بعد أن باع 75 مليون دولار من الأسهم قبل يوم واحد من تكبد الشركة لخسارة ضخمة.
وعلى الرغم من جميع التهم الـ36 المتعلقة بالاحتيال المحاسبي تمت تبرئة سكراشي.
في يوفنتوس لا يوجد سكراشي واحد. أولا يجب أن نفهم سويا مصطلح "استهلاك الدين" في كرة القدم وكيف يتم للأصول؟
هنا نتحدث عن سوق الانتقالات لكن بمفهوم محاسبي مبسط، حينما تُعقد صفقة عادة يكون بانتقال اللاعب لفترة زمنية طويلة غالبا من 3-5 سنوات وفقا لعمره، في حالات استثنائية يكون لعامين.
حينها يتم توزيع الرسوم بالتساوي على مدار مدة العقد، لكن عندما يتم بيع لاعب تعكس الحسابات المبلغ الكامل في الميزانية على الفور.
النادي "أ" يشتري لاعب من النادي "ب"، مقابل 2 مليون يورو بعقد مستمر لـ4 أعوام، بالنسبة لتسجيل حسابات النادي "أ"، فسيسجل مبلغ 500 ألف يورو لكل موسم من الـ4.
أما النادي "ب" فسيسجل 2 مليون يورو كأرباح على الفور.
الأمر بمثابة خدعة صغيرة تسمح للنوادي بإضافة إشارات أرباح إلى ميزانيتهم، فيما تقلل من السلبيات أو الخسائر.
يُعرف هذا بالربح الرأسمالي، وبالإيطالية يُدعى Plusvalenca، وهو عامل مهم للغاية في موازنة الأندية.
ومهم لأشياء أخرى مثل اللعب المالي النظيف، واللوائح الأخرى التي يخضع لها اتحاد الكرة أو الاتحاد الأوروبي لكرة القدم.
هنا تكمن المشكلة، تقييم اللاعبين والطريقة نفسها هي اللغز والمهرب الدائم للأندية منذ عقود، ولنفس السبب تزداد مدة المفاوضات بسبب طريقة التقييم والرغبات الخاصة من الناديين. ما يترك مساحة لمصطلح آخر يُدعى "تضخيم القيمة".
في نفس المثال السابق نادي "أ" و"ب" القيمة كانت 2 مليون يورو للاعب، المشكلة أن تلك هي تقييم السوق للاعب لكن القيمة الحقيقية له قد تكون أقل إذا لماذا قد أضطر لدفع 2 مليون يورو للاعب قيمته 2 يورو؟
هذا لأن النادي "ب" في خطر وبحاجة إلى 2 مليون يورو ربح رأسمالي لموازنة سجلاته، في هذا المثال نرى التضخيم التقييم بشكل خاطئ ومتعمد.
لنمنحكم مثالا حيا، أتذكرون الصفقة التبادلية بين برشلونة ويوفنتوس، ميرالم بيانتش إلى الفريق الكتالوني، وآرثر ميلو إلى النادي الإيطالي عام 2020؟
لنتذكرها معا، الناديان كانا يحاولان إتمام الصفقة بشدة يوم 30 يونيو 2020، كان ذلك هو التاريخ النهائي إما حينها أو لا للأبد.
سكاي سبورتس قالت حينها: "إتمام الصفقة في ذلك اليوم واجب لضرورة إدراج الصفقة في حسابات النادي". إجابة واضحة؟
الأمر كان متوقفا على تقييم الفريقين للاعبيهما، برشلونة مثلا قيم آرثر بـ80 مليون يورو، أما بيانتش فقيمه يوفنتوس بـ70 مليون، هذا يعني أن يوفنتوس مضطر لدفع 10 ملايين إضافية و5 أخرى كإضافات.
قبل الإجابة عن هذا السؤال، أليس معروفا في كرة القدم أن الصفقات التبادلية لا تُقيم بهذا الشكل ليس معروفا أن يتم تقييم اللاعبين والخلاف على قيمتهم.
لم تكن تلك صفقة تبادلية بشكل رسمي، بيانتش بيع إلى برشلونة بمبلغ 60 مليون يورو، وأرثر بيع إلى يوفنتوس بمبلغ 72 مليون يورو، ما يعني أن هناك 12 مليونا إضافية، وفي المقابل؟ لم يحصل أي فريق من الفريقين على أموال فعلية، فقط حسابات مُسجلة.
الفكرة أن كلا اللاعبين لم يكن قريبا حتى من هذه القيمة وقتها، حينها كتب الصحفي الشهير سيد لو: "المحاسبون أكثر إبداعا في هذه الصفقة عن لاعبي الوسط هنا".
الخسائر المالية الفادحة التي عانى منها برشلونة ويوفنتوس مع غياب العوائد سواء تذاكر أو حقوق بث وغيرها أثرت على الأندية.
الناديان احتاجا لتسجيل الصفقة في السنة المالية فيوفنتوس مثلا كان يختم فترته مثل معظم الأندية من يوليو 2019 إلى يونيو 2020. حينها سجل يوفنتوس عوائد بنسبة ربح زادت عن 15% للعام الذي سبقه.
خلال عام 2021 بدأت التحقيقات بشأن تضخيم الأرباح من قبل العديد من الجهات الحكومية في إيطاليا وشمل ذلك العديد من الأندية الأخرى وليس يوفنتوس فقط، حينها اكتشفت أكثر من 62 عملية انتقال مشكوك فيها بين عامي 2018 إلى 2021، 42 منها كانت ليوفنتوس وحده، وأعلى قيمة لعمليات انتقالات كانت لفيكتور أوسيمين الذي انضم من ليل إلى نابولي.
ما جعل هذا التحقيق ينهار، هي عدم القدرة على إثبات التضخيم المتعمد لقيمة أكبر صفقة حينها ليتوقف كل شيء.
القضية توقفت، لكن السلطات كانت تحقق بشأن يوفنتوس بسبب عدة قضايا أخرى، مثلا المحاسبة الزائفة ودفع المرتبات بعيدا عن مجلس الإدارة للاعبين، والتلاعب في السوق.
التحقيقات الأخرى كشفت عن أدلة خلال مداهمة مكاتب يوفنتوس والتي أدت لإعادة فتح قضية أرباح رأس المال في ديسمبر 2022، وفي خضم كل التحقيقات استقال مجلس إدارة يوفنتوس بالكامل وفي يناير 2023 أتى الحكم.
رغم أن هناك أندية عدة تحت المجهر، إلا أن يوفنتوس كان الأكثر تضررا، نظرا لوجود أدلة عديدة ورسائل مسربة ووثائق.
عدة أندية اضطرت وقت تفشي وباء كوفيد 19 إلى تقليص الرواتب وربما عدم دفعها لتقليص الخسائر، ويوفنتوس أعلن في مارس 2020 عن توفير 90 مليون يورو بسبب مساهمة لاعبيه إذ وافقوا حينها -وفق الإعلان الرسمي- على تخفيض رواتبهم لـ 3 أشهر.
الوثائق المسربة أظهرت أن الرواتب خُفضت لشهر واحد فقط، بل وتم تسريب محادثة لجورجيو كيلليني قائد الفريق حينها أوضح أن البيان كان مجرد دعاية وأنه لن يتم تخفيض شيء.
مع ذلك، كانت هناك نتائج مالية لأعوام 2019 و2020 و2021 لم تُظهر انعكاسا صحيحا لكل ادعاءات يوفنتوس، ما ساهم في قضية أخرى، ليعيد فتح قضية تضخيم الأرباح من جديد.
4 هيئات إيطالية منفصلة تفحصت الانتقالات التي شملت يوفنتوس وعدة أندية أخرى على مدار عامين، بما فيها صفقة تبادلية شملت انتقال دانيلو إلى يوفنتوس بقيمة 37 مليون يورو، وانضمام جواو كانسيلو إلى مانشستر سيتي بمبلغ 65 مليون يورو.
المجلس الوطني للأوراق المالية المختص بدراسة الأندية المدرجة في البورصة مثل يوفنتوس، دخل إلى ساحة المعركة، وهنا أصبح الأمر خطيرا، لأن البورصة تقع ضمن اختصاص ما يعرف بالشرطة المالية الإيطالية.
أبرز الوثائق التي عُثر عليها كانت تتعلق بتحويلات بلغت قيمتها الإجمالية وفقا لشبكة "سكاي إيطاليا" 282 مليون يورو ضمن الأرباح.
وبين كل شيء، كان ما يُعرف بـ"الكتاب الأسود"، لفابيو باراتيتشي المدير الرياضي السابق، والذي كان يحتوي على كافة الأرقام الحقيقية لسوق انتقالات الفريق خلال فترته.
لم تشمل العقوبات إيقاف يوفنتوس فقط بل مجلس إدارته المستقيل والراحلين كالتالي:
لنعد إلى قصتنا الرئيسية، هل تذكرون سكروتشي المدير التنفيذي لشركة هيلث ساوث؟ بعدما تمت تبرئته، وجد مذنبا فيما بعد في قضية صغيرة للغاية بالنسبة لجرائمه السابقة، إذ اتهم برشلونة حاكم ألاباما، دون سيغلمان، وحينها فتحت كل القضايا مجددا، وحكم عليه بالسجن لمدة 7 أعوام.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة