أسعار الغذاء في مصر.. رحلة صعود تخالف الاتجاه العالمي

معدل التضخم وسيلة تقيس التغيير (الزيادة أو النقصان) المستمر في الأسعار من خلال معادلة حسابية معينة، ومكونات هذه المعادلة تتمثل في الوزن النسبي للإنفاق على السلعة ومعدل التغير أو التحرك في سعر هذه السلعة (و هو ما نسميه الأسعار) ويتم حساب معدل التضخم العام بمصر لنحو 870 سلعة مختلفة، مُقسمة لـ12 مجموعة سلعية، ينشق عنها 57 مجموعة رئيسية، و117 مجموعة فرعية.

وبحسب البيانات الرسمية تعتبر مجموعة الطعام والشراب صاحبة الوزن النسبي الأكبر في المؤشر العام للتضخم، حيث تبلغ 35.8% بما يتجاوز أكثر من ثلث المؤشر، وبالإضافة إلى الثقل الذي تتمتع به مجموعة الطعام والشراب في المؤشر، فهي المجموعة صاحب القفزات السعرية خلال الفترة من يونيو 2022 وحتى نفس الشهر من العام الجاري.

وسجلت المجموعة ارتفاعا شبه متواصل خلال هذه الفترة، محققًا 64.9% خلال يونيو 2023 في مقابل 22.3% خلال نفس الشهر من العام الماضي.

المفارقة في قيادة مجموعة الطعام والشراب لارتفاعات معدلات التضخم في مصر أن زيادات أسعار الطعام والشراب تأتي بالمخالفة لمؤشرات الأسعار الدولية والتي رصدها مؤشر "الفاو" (منظمة الزراعة والأغذية) لأسعار الأغذية والذي سجل انخفاضًا تجاوز 23% خلال نفس الفترة التي واصلت الأسعار المحلية في مصر ارتفاعها.

يُستخدم مؤشر المنظمة لأسعار الأغذية لقياس التغيّر الشهري في الأسعار الدولية لسلّة من السلع الغذائية الأساسية. وهو يتألّف من متوسط مؤشرات أسعار خمس مجموعات من السلع الأساسية مرجّحة بحصة كل مجموعة من المجموعات من الصادرات.

ولأن مصر تستورد نحو 65% من غذائها بحسب تقديرات مختلفة كان من المنطقي أن تتراجع الأسعار المحلية مدفوعة بالتراجعات العالمية وهو ما لم يحدث على مدار عام كامل، ومن غير المتوقع أن تتراجع الأسعار مستقبلًا بحسب ما تنبأ به صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير حول مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي.

عوامل كثيرة تؤثر على أسعار الغذاء في مصر إلى جانب الأسعار العالمية أهمها، بحسب عضو الشعبة العامة للمواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية أشرف حسني، سعر العملة المحلية (الجنيه) والذي خسر أكثر من 60% من قيمته أمام الدولار الأميركي في الفترة من يونيو 2022 لنفس الشهر من العام الجاري مسجلا نحو 31 جنيها في يونيو 2023 في مقابل نحو 19 جنيها في نفس الشهر من العام الماضي.

أدى تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار إلى زيادة السعر المحلي للأغذية المستوردة، بينما أدى شح العملة الأجنبية إلى التراجع النسبي في معدلات الاستيراد وربما تأخر الإفراج الجمركي عنها، وهو ما دفع النظائر المحلية للسلع المستوردة نحو الزيادة السعرية بسبب نقص المعروض في مواجهة معدلات الطلب المعتادة.

خفضت الحكومة المصرية قيمة عملتها المحلية مرات متتالية بسبب شُح العملة الأجنبية الواردة إليها عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

وإلى جانب أزمة العملة الأجنبية وخسائر الجنيه أمام الدولار تأتي عدة عوامل أخرى تدفع أسعار الغذاء نحو الارتفاع في مصر ومن بينها، ارتفاع كافة تكاليف تجارة وصناعة الأغذية مثل الطاقة والأيدي العاملة والنقل بنسب متفاوتة خلال العام الأخير.

أي انخفاض في قيمة أي عملة محلية يقود نحو تآكل رؤوس الأموال وخاصة التي يتم تسييلها في الأسواق.

على سبيل المثال 100 جنيه يمكنها شراء 100 وحدة من سلعة معينة، لكن بعد انخفاض قيمة العملة بأكثر من 60% فلا يمكن للـ 100 جنيه أن تشتري سوى 40 وحدة فقط، وهو ما يطلق عليه الاقتصاديون تآكل رأس المال والتي تدفع المستثمرين لزيادة أسعار السلع بنفس النسبة أو أكثر، حتى يتمكنوا من الحفاظ على قيمة رؤوس أموالهم بحسب الدكتور على عبد الرؤوف أستاذ الاقتصاد بالجامعة البريطانية.

متوسط إنفاق الأسرة على بند الطعام يبلغ نحو 37% بحسب بحث الدخل والإنفاق الأخير، يرتفع المتوسط كلما انخفض الدخل، ويمكن أن تصل لأكثر من 60% في الشرائح الأقل دخلا.

يعني هذا، أن أي ارتفاع في أسعار الغذاء سيكون أكثر قسوة على الشرائح منخفضة الدخل أكثر من غيرها، بخلاف أن هذه الشرائح تعتمد في نمطها الغذائي على القمح والزيوت والبروتين النباتي.

أكثر من مجموعات البروتين الحيواني ما ينذر بمزيد من سوء التغذية لهذه الشرائح والذي يقود حتما لمستويات صحية متدنية ومستويات تعليم متراجعة، ما يعني أنها سلسلة من التراجعات التي تصيب الشرائح المدنية الدخول بسبب ارتفاع أسعار الغذاء.

وكانت الحكومة المصرية قد رفعت أسعار 32 سلعة تموينية في مايو الماضي بنسب مختلفة، للحد من تفاقم عجز الموازنة العامة التي تدعم السلع التموينية بنحو 128 مليار جنيه.