موسيقى
.
في مساء ربيعي ليلة الثلاثاء في برلين، اعتلى أسطورة الروك روجر ووترز (79 عاما) خشبة المسرح ليقدم عرضه الاعتيادي المعروف باسم "الجدار"، كناية عن جدار برلين الذي قسم ألمانيا لنصفين حتى عام 1989.
شاشات عرض ضخمة، ومؤثرات صوتية وبصرية مدهشة وغناء لأكثر من ساعة، كل ذلك أثار تفاعلا كبيرا من آلاف المتفرجين من الجمهور الألماني.
لكن العرض أثار نوعا مختلفا من التفاعل خارج جدران القاعة. فساعات قليلة وضجت مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية العالمية بعاصفة انتقادات ضد مؤسس فرقة بينك فلويد "Pink Floyd".
ملخص الاتهامات هو أن المغني البريطاني "ارتدى الزي النازي في حفل برلين بينما طيّر فوق الحشد بالونا على شكل خنزير وعليه نجمة داود" وفق ما عنونت صحيفة ديلي ميل البريطانية الخبر.
كل ذلك بينما عرض روجر اسم ضحية الهولوكوست آنا فرانك على الشاشة الضخمة خلفه، في قاعة مرسيدس بينز الألمانية، التي أجبرت اليهود في الحقبة النازية على العمل لديها بالسخرة، ما فسره البعض كتحقير وإهانة متعمدة لليهود.
الموضوع تطور لدرجة أن شرطة برلين أعلنت فتح تحقيق جنائي بحق ووترز بتهم "التحريض على الكراهية" ولأن "الملابس التي ارتداها على المسرح تستخدم لتمجيد وتبرير الحكم النازي".
ولعقود لاحقت الحكومة الإسرائيلية مغني الروك الشهير بسبب تضامنه مع القضية الفلسطينية وانتقاداته اللاذعة للجدار العازل في الأراضي المحتلة ورفضه تقديم أي عروض في إسرائيل وانضمامه لحركة مقاطعة إسرائيل BDS.
"أشعر بالمرض والاشمئزاز من هوس روجر ووترز بتشويه والتقليل من شأن الهولوكوست والطريقة الساخرة، والتي يشعر فيها بالسعادة، عندما يدوس على الضحايا الذين قتلوا بشكل منهجي على يد النازيين. وقيامه بذلك في ألمانيا. لقد طفح الكيل. تم تجريم التهوين من شأن الهولوكوست في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي" هكذا عبرت منسقة المفوضية الأوروبية لمكافحة معاداة السامية كاثرين فون شنوربين عن امتعاضها من حفل مغني بينك فلويد الرئيسي في برلين.
سرعان ما انضمت إليها ووافقتها الرأي مبعوثة الحكومة الأميركية لمراقبة ومكافحة معاداة السامية ديبورا ليبستات التي أدانت "تشويه ووترز الحقير للمحرقة".
الحكومة الإسرائيلية وأنصارها ومجموعات الضغط المؤيدة لها كانوا أول من أشعل موجة الانتقادات بحق المغني روجر متهمينه بمعاداة السامية ومعاداة إسرائيل وتدنيس ذكرى ضحايا المحرقة.
ولاقت التغريدات المناهضة لحفل الفنان البريطاني في برلين ملايين المشاهدات خلال وقت قياسي. ووصل الأمر للبرلمان البريطاني حيث طالب نواب مجلس العموم بحظر حفلاته.
"بيلنكس" تحققت من الادعاءات ووجدت أنها لم تكن المرة الأولى التي ارتدى فيها الموسيقي ووترز معطفه الجلدي الطويل أسود اللون مع شارة حمراء في تشابه واضح مع زي قوات الأمن النازية الخاص من الحرب العالمية الثاني ليتظاهر بعدها بإطلاق النار على الحشد برشاش ألماني مزيف على وقع نغمات أغانيه.
فهذا الزي يرتبط بألبوم "الجدار" منذ أن كتبه عام 1979، وقيامه بفيلم يحمل نفس اسم الأغنية عام 1982، ليواظب بعدها على ارتداء هذا الزي في عروضه الفنية منذ ذلك الحين.
الألبوم يدور حول نجم روك خيالي مضطرب اسمه "بينك فلويد" تدهورت حالته لحد الجنون وسط عزلته الجسدية والاجتماعية عن الجميع، وبنى جدارا في مخيلته من آلامه والصدمات التي تعرض ليها إلى أن وصل به الأمر تحت تأثير المخدرات لتخيل نفسه وهو على المسرح كديكتاتور فاشي وسط حشود مسيرة نازية يعطي الأوامر بإعدام الأقليات.
وينتهي العرض بتوقف هلوساته وتأنيب ضميره ليهدم الجدار الذي بناه في مخيلته. وأضاف موقع تويتر ملحوظة تحت تغريدة إسرائيل ضد ووترز توضح قصة زيه المثير للجدل في حفل برلين وأنه جزء من العرض الفني الهادف للسخرية من الفاشية.
أما الخنزير الطائر، فهو أيضا جزء من الألبوم والعرض الفني، هدفه السخرية من الاستبداد وتشبيه الرأسمالية بالعقيدة كالأديان السماوية بحسب نجم الروك.
وضع ووترز على الخنزير، في أول مرة استخدمه في عروضه الغنائية عام 2013، شعارات ترمز لمختلف الأديان بجوار شعار ماكدونالدز ومرسيدس وشركة شيل النفطية ورمز النقود. بينما بيّن مراقبون أن الفنان أزال تلك الشعارات من على خنزير حفل برلين واستبدلها بعبارات "اسرقوا من الفقراء وأعطوا الأغنياء" إلى جانب رموز شركات مختلفة منها شركة الأسلحة الإسرائيلية إلبيت كاحتجاج على الحروب وسياسات إسرائيل.
ووترز كان بين في مقابلة مع صحيفة دير شبيغل في شهر مارس الماضي بأنه أزال شعارات الأديان من الخنزير الطائر منذ سنوات بعد أقل من عشرين عرض عندما اشتكى البعض من إهانة الأديان.
وفي ما يتعلق بآنا فرانك، فقد راجعت "بلينكس" تسجيل الحفل كاملاً ووجدت بأن ووترز وضع اسمها على الشاشة ضمن أسماء 12 شخصا ماتوا من الاضطهاد عرضوا على فترات متباعدة، منهم الصحفية شيرين أبو عاقلة والناشطة الأميركية راشيل كوري اللتان قتلهما الجنود الإسرائيليون وجورج فلويد الذي وثقت الكاميرات مقتله على يد عنصر شرطة أميركي عام 2020.
"هجمات سيئة النية من أولئك الذين يريدون تشويه صورتي وإخماد صوتي لأنهم يختلفون مع آرائي السياسية ومبادئي الأخلاقية"، هكذا رأى روجر الانتقادات التي طالت حفله في برلين والتي اعتبرها "خادعة وذات دوافع سياسية". وادعى الموسيقي الشهير بأن عرضه كان هدفه "معارضة الفاشية والظلم والتعصب الأعمى بجميع أشكاله".
ودافع عن نفسه ضد اتهامات معاداة السامية بالتذكير بأن كلا والدين حاربا الجيش النازي في الحرب العالمية الثانية ومات والده خلال تلك المعارك، بينما أضاف بأنه اعتاد على سماع اسمه آنا فرانك في منزله ليصبح اسمها "تذكيرا دائما بما يحدث عندما تُترك الفاشية من دون رادع" على حد تعبيره.
ووترز بدأ حفله في برلين بالقول "من أجل المصلحة العامة: قضت محكمة في فرانكفورت أنني لست معاد للسامية.ولأكون واضحا، أدين معاداة السامية بلا تحفظ".
خلال شهر أبريل الماضي، قضت محكمة فرانكفورت الإدارية بالسماح لروجر بإقامة عرضه في المدينة الألمانية بعد أن كانت محكمة صلح في المدينة أمرت بحظر الحفل. المحكمة الإدارية وصفت اختيار الفنان البريطاني لرموز مشابهة للحقبة النازية بأنه "لا طعم له" لكنها اعتبرت ذلك الاختيار ضمن نطاق الحرية الفنية.
في عام 2006، قام روجر بزيارة سريعة للضفة الغربية المحتلة عندما كان من المخطط أن يقيم أسطورة الروك حفلا في تل أبيب.
رأى ووترز بعينيه جدار الفصل الإسرائيلي رمادي اللون المرتفع نحو ثمانية أمتار أي أكثر من ضعفي جدار برلين الذي ألهم ألبومه الشهير "الجدار"، وترك ذلك المشهد أثرا كبيرا عليه.
"لسنا بحاجة إلى التحكم في التفكير" كتب ووترز تلك العبارة على الجدار الإسرائيلي الإسمنتي، وهي مقتبسة من أغنيته "حجر آخر في الجدار"، ثم صرح بعدها من نفس البقعة "يملؤني الرعب، فكرة أن أكون مقيدا بشيء كهذا. إنه مثل العيش في سجن ضخم".
سرعان ما ألغى الموسيقي بعدها حفله في تل أبيب ونقله لقرية نفيه شالوم "واحة السلام" التعاونية التي أسسها العرب واليهود، وكان ذلك آخر حفل له في إسرائيل.
أصبح مغني الروك بعدها ناشطا مفوها للدفاع عن القضية الفلسطينية ومنتقدا لاذعا لإسرائيل شارك في عشرات مسيرات والمبادرات والحملات المناصرة للفلسطينيين، وألف أغاني جديدة شبهت الفلسطينيين بسكان أميركا الأصليين، وأصبحت القضية جزءا من جميع حفلاته.
وانضم ووترز رسميا لحملة المقاطعة BDS الهادفة لفرض العقوبات وسحب الاستثمارات من إسرائيل لإجبارها على إنهاء الاحتلال وإعادة جميع اللاجئين الفلسطينيين وإنهاء التفرقة العنصرية.
تعتبر الحكومة الإسرائيلية تلك الحملة "معادية للسامية" وهادفة "لتدمير إسرائيل" عبر شن "حرب اقتصادية" عليها.
رابطة مكافحة التشهير الأميركية أبرز المؤسسات المعنية مكافحة معاداة السامية والمقربة من إسرائيل جعلت من روجر أحد أبرز أهدافها، حيث خصصت قسما كاملا من موقعها الإلكتروني لرصد تصريحاته ضد الصهيونية على نحو مستمر واعتبارها "معاداة للسامية"، كقوله بأن إسرائيل تمارس "جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين" و"الإبادة العرقية" وتشبيه ممارسات الحكومة إسرائيلية بممارسات النظام النازي. وتواجه الرابطة اتهامات بالتحيز والدفاع عن إسرائيل لمساواتها بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية ولمقارنة مديرها التنفيذي جوناثان جرينبلات بين المؤسسات المدافعة عن حقوق الفلسطينيين وبين الجماعات اليمينية المتطرفة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة