مهرجانات تونس تُدير ظهرها للراب والمزود

عاش مسرح بنزرت، شمال البلاد، ليلة السبت 10 أغسطس، أحداث شغب رُشق خلالها رجال الأمن والصحافيون بقوارير الماء عقب سهرة كانت تبدو طبيعية عند انطلاقها، لمجموعة من أكثر مغني الراب شعبية في تونس.

لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها خلال هذا الموسم من المهرجانات، إذ لاقت سهرة أخرى لمؤدي الراب "سمارا" نفس المصير بذات السيناريو، مما أدى إلى سخط رواد التواصل الاجتماعي الذين نادوا بإيقاف هذا النمط من العروض حفاظا على الأمن العام.

يقول فنان الراب عصام عبسي المعروف باسم absy، لبلينكس إنه لا يعتقد أن ما جرى خلال هذه الحفلات كان عفويا، فمن غير المنطقي أن يشتري الشباب تذاكر لحفلات مغنيهم المفضل، ثم يقررون أن يفسدوا بأنفسهم الأجواء لسبب أو لآخر.

يضيف مغني الراب أنه من الواضح أن السلطات الثقافية في البلاد اختارت أن تجعل من "موسيقى الراب حصان طروادة لهذه الفترة التي تعاني فيها البلاد أزمات ثقافية وأخلاقية مركبة".

يتابع عبسي أن التلميح إلى حماية الذوق العام لم يقتصر على الموسيقى، فمهرجان الحمامات حظر مسرحية "آخر البحر" للمسرحي القدير الفاضل الجعايبي، بحجة أن نصّها يتضمّن ألفاظا نابية، في حين أن المسرحية عُرضت عشرات المرات على مسارح أخرى خارج موسم المهرجانات.

مثل هذه القرارات بدأت في التوسع عقب لقاء الرئيس التونسي قيس سعيّد بالمكلف بتسيير وزارة الشؤون الثقافية في 1 يوليو الماضي، حيث أكد أن "المهرجانات الثقافية يجب أن تساهم في إرساء ثقافة وطنية وقد تم بعثها من أجل الارتقاء بالذوق العام".

جاء ذلك عقب ضجة أحدثها صعود إحدى المعجبات على مسرح قرطاج، والرقص مع المغني اللبناني راغب علامة أثناء حفل اختتام مهرجان الإذاعة والتلفزيون العربي، قبل انطلاق عروض مهرجان قرطاج الدولي.

في هذا السياق يقول مدير مهرجان قرطاج كمال الفرجاني: "مطالبون بالانسجام مع توجهات الدولة"، مضيفا أنه ليس من الضروري أن تستمتع بالعروض الترفيهية المنوعة فقط، بل أيضاً يمكن الاستمتاع بمادة ثقافية فيها خلفية فكرية وفلسفية، على حد تعبيره.

تغييب أنماط موسيقية عن المهرجانات الصيفية الأكبر، أرجعه آخرون إلى حسابات قد لا تكون السلطة طرفا فيها.

فمغني ومنتج الراب "أرماستا"، ورغم انتقاده الشديد للشكل الجديد غير المتنوع للمهرجانات الصيفية، إلا أنه يرى أن صراع الأجيال بين الفن الوتري ومغني الراب والهيب هوب عموما، نتج عنه إقصاء الشباب الطامحين الذين يعملون على تقديم نقدهم للواقع بأسلوبهم الخاص.

ظهرت خلال هذا الموسم حركة احتجاجية أطلقها عدد من فنانيّ تونس على خلفية ما اعتبروه "انعدام احترام لحقوقهم الأساسية"، بعد أن أعلنت مجموعة "اركز هيب هوب"، التي تجمع بين كلمات الراب وإيقاع المزود، أنها فضلت الغياب هذا الموسم لعدم احترام المتطلبات الأساسية والمستحقات العاجلة لعروضها، إلى جانب الدفع قبل العرض.

وأشارت إلى أن المهرجانات الكبرى تدفع للفنانين الدوليين حتى 100 مرة أكثر مما يدفعون لهم، رغم أن معظم حفلاتهم أقيمت بنفاد التذاكر.

وأعقب قرار "اركز هيب هوب" بلاغ مساند من فريق عمل مسرحية "بينومي"، أعلن فيه تعليق عروضه خلال المهرجانات الصيفية، كما دعا لالتحاق "كل الفنانين والمهنيين والتقنين الذين ضاقوا ذرعا بمثل هذه الممارسات التي لن تساهم سوى في قتل الإنتاج الفني المحلي الذي يحترم المتلقي كيفا ومضمونا" وفق بيانه.

من جهة أخرى، نشر مغني الراب ALA مقطع فيديو على حسابه على إنستغرام، انتقد فيه دفع وزارة الثقافة مبالغ كبيرة لفنانين من خارج تونس مثل راغب علامة وأصالة.

وعبّر مغني الراب عن غضبه من سوء تقدير جهد الفنان التونسي، وعدم تمكينه من مستحقاته المادية اللازمة، معلنا استعداده لإقامة حفل ضخم لم تعرف مثله هذه المهرجانات، مقابل ثلث المبلغ الذي يقدم للفنانين من خارج تونس.