السطمبالي.. موسيقى تونسية تقاوم الإندثار

في منطقة باب الجديد بالمدينة العتيقة في العاصمة التونسية، تتخذ جمعية فن السطمبالي من مقام الولي الصالح سيدي علي الأسمر، مقرا منذ تأسيسها سنة 2016.

رئيس الجمعية رياض الزاوش، يعتبر نفسه مسؤولا عن حماية المكان كونه معلما تاريخيا حاول المستثمرون على امتداد عقود الاستيلاء عليه، وتحويله إلى مطعم أو إقامة سياحية بسبب موقعه المميز وجمال معماره.

يقول الزاوش لبلينكس إن موسيقى السطمبالي على ارتباط وثيق بالروحانيات، فالايقاع الذي تحدثه آلاته المميزة يدخل السامعين في حالة وجد يُعتقد قديما أنها تُشفي الأمراض والعلل.

تسرد روايات أن العبيد الذين اقتيدوا من أفريقيا الوسطى، خاصة مع ازدهار تجارة الرقيق في القرن الثامن عشر، اتخذوا من مقامات الأولياء في شمال أفريقيا ملاذا.

ويقال أيضا إن أنغام السطمبالي ولدت مع سيدي سعد "العبد" نيجيري الأصل، الذي تحول إلى ولي صالح، في تقاطع مع قصة سيدي بلال في الجزائر، أب موسيقى الديوان، وفقا للباحثة هاجرة الزحزاح.

وأصبح سيدي سعد، "أبوسعدية" أيقونة من أيقونات هذه الموسيقى، وتقول الروايات إنه زعيم قبيلة أفريقية اختطف تجار العبيد ابنته سعدية نحو الشمال، فاضطر للتنكر والتجول بين المدن والقرى بحثا عنها مرددا أغنية في شكل رجاء أو نداء أشبه بالبكاء، وفق الزاوش.

شكل بوسعدية غريب ويمكن تمييزه وسط حشود المتفرجين المحيطين بالفرقة، إذ يرتدي خرقا من الأقمشة وجلود الحيوانات المزركشة بالصدف والأحجار، ولا يمكن التعرف على لون بشرته السمراء إلا بإمعان النظر في القناع الجلدي الذي لا يظهر من تحته سوى عينين حزينتين.

خلال السنوات الماضية، أثارت موسيقى السطمبالي جدلا ثقافيا في تونس بين من يراها نمطا دخيلا لاعتبار أن كلمات أغانيه غير مفهومة، ولا تمت للهجة التونسية بأي صلة، في حين يؤكد الزاوش أنها نوع تونسي خالص، على خلفية أنها تقابل موسيقى الڨناوة في المغرب، والديوان في الجزائر، وإن كان هناك اختلافات شاسعة في اللحن والآلات المستعملة، وفق قوله.

وأشار الزاوش إلى أن القول إنها موسيقى أفريقية لا يعني أنها غريبة، فتونس بلد أفريقي بالأساس، لكن سكانه من ذوي البشرة الداكنة أدخلوا لمستهم الخاصة على هذا النوع.

عند سماع الصوت الذي تصدره آلة القمبري ذات الوترين، لا يمكن تمييز أصل اللحن فهي شبيهة بآلات أخرى يعزف عليها في السودان ومالي والمغرب، وغيرها من الدول الأفريقية.

غير أن مسكها بالنسبة للفرق التونسية، ينحصر في "البنا" أي قائد المجموعة، فتمتزج أصوات القمبري بالشقاشق وهي آلة نحاسية تحدث صوتا أشبه بجر السلاسل والأصفاد.

يؤكد الباحث في التاريخ عبد الستار عمامو أن نمط السطمبالي لوحة فنية تجسد معاناة العبيد من جنوب الصحراء الذين وصلوا إلى شمال أفريقيا هربا من المستعمر، أو جيء بهم من تجار البشر، ففي تونس مثلا كانت هذه التجارة منتعشة قبل إلغاء الرق سنة 1841.

تعرفت الأجيال الجديدة في تونس على أنغام السطمبالي وشخصية "بوسعدية" خلال السنوات القليلة الماضية، بعد أن خرجت هذه الموسيقى من الاحتفالات الضيقة بمقامات الأولياء، إلى الجمهور العريض في العروض التي باتت تنظمها مجموعات السطمبالي في المهرجانات.

لعل أهم هذه المهرجانات، مهرجان قرطاج سنة 2017، على خلفية تصالح المجتمع نسبيا مع هذا النمط الذي كان يعتبر دخيلا وغريبا على الثقافة التونسية.

وأصبح هذا النمط الموسيقي مطلوبا في حفلات الأعراس وبعض الملاهي الليلية التي يفضل روادها الرقص على أنغام السطمبالي الصاخبة، رغم عدم قدرتهم على فك رموز الكلمات.