أحدثت الفنانة بيونسيه، الأكثر تتويجا في تاريخ جوائز الغرامي، زلازل ثقافية بألبوماتها وأعادت تشكيل معايير صناعة الموسيقى.
على الرغم من إنجازاتها الرائدة، لم تفز بيونسيه قط بجائزة أفضل ألبوم أو تسجيل العام، وهما من أرقى الجوائز.
ليست بيونسيه الوحيدة، إذ تعرضت قلة من الفنانين "للتجاهل" من قبل الأكاديمية الوطنية لتسجيل الفنون والعلوم (Recording Academy) بهذا الوضوح.
ومرة أخرى، تدخل بيونسيه حفل الغرامي يوم الأحد بفرص الفوز الأكبر، بعد أن حصد ألبومها "Cowboy Carter"، وهو عمل متنوع الأنواع محمّل بالرسائل الاجتماعية والسياسية، إشادة نقدية واسعة منذ إطلاقه في الربيع الماضي.
"إذا فازت بيونسيه بجائزة ألبوم العام عن 'Cowboy Carter'، فسيكون ذلك، بالنسبة لي شخصيا، مشابها للحظة فوز باراك أوباما بالرئاسة"، تقول بريجيتا جونسون، أستاذة الدراسات الإفريقية الأميركية وتاريخ الموسيقى في جامعة ساوث كارولينا. فكيف تبدو حرب بيونسيه مع جوائز الغرامي؟
اعرف أكثر
وفقا لجونسون، فإن لجان الاختيار في جوائز غرامي يميلون إلى تجاهل المشاريع التعاونية، وهو النهج الذي تبنته بيونسيه طوال مسيرتها، حيث تكرّس موسيقاها لإبراز التقاليد الموسيقية السوداء وإعطاء مساحة للفنانين الآخرين.
أكدت عالمة الموسيقى لورون كيرير هذه النقطة، مشيرة إلى خسارة بيونسيه أمام بيك في عام 2015، حيث كان الحديث آنذاك يدور حول أن بيك عمل على ألبومه بنفسه، في حين أن بيونسيه اعتمدت على فريق من المنتجين والفنانين.
وقالت كيرير: "قيم لجان الاختيارات تتماشى أكثر مع الأنواع الموسيقية التي يهيمن عليها البيض مثل الروك والموسيقى البديلة".
وأوضحت: "عندما ننظر إلى موسيقى البوب وR&B والأنواع الأخرى، نجد أنها تعتمد بشكل أكبر على التعاون، لكن هذا النهج لم يحظَ بالتقدير الكافي من قبل لجان الجائزة".
وأشارت إلى أن مسيرة بيونسيه تعكس "الشقوق العميقة في الطريقة التي تنظر بها المؤسسات إلى الأنماط الموسيقية، خاصة فيما يتعلق بالعرق والجنس".
ورغم أن الأكاديمية وسّعت عدد المرشحين في الفئات الكبرى، حيث زادت من 5 إلى 10، وحاليا إلى 8، بهدف تعزيز التنوع، إلا أن النتيجة الفعلية كانت تشتيت الأصوات إلى حد يجعل فوز الفنانين الملوّنين والفنانين غير التقليديين نادرا جدا.
وقالت جونسون: "كل هذه العوامل تلعب دورا عندما يتعلق الأمر ببيونسيه، هذه النجمة العالمية الأيقونية التي لا تزال تفقد هذه الجائزة المرموقة مرة تلو الأخرى".
يصعب تصنيف أعمال بيونسيه، فإلى جانب الفئات الرئيسية، حصلت هذا العام على 11 ترشيحا في موسيقى الكانتري، والموسيقى الأميركية التقليدية (Americana)، والبوب، والراب. وفازت سابقا بجوائز في موسيقى الرّقص والإلكترونيك. وتوضح كيرير أنها "ترفض أن تكون فنانة ذات لون واحد فقط".
وتضيف أن ألبوم 'Cowboy Carter' كان مشروعا يهدف إلى إثبات أنها فنانة متعددة المواهب لا يمكن حصرها في إطار معين، وإجبار المؤسسات الموسيقية على الاعتراف بذلك".
ووضعت بيونسيه الأكاديمية أمام تحدٍّ لمواكبتها من خلال تحسين تصنيف الموسيقى ليعكس الاتجاهات الحديثة، وهو أمر حاولت جوائز الغرامي بالفعل العمل عليه في السنوات الأخيرة. لكن في النهاية، ترى جونسون أن جوائز الغرامي بحاجة إلى بيونسيه أكثر مما هي بحاجة إليها.
"حضورها ضروري للحفل حتى يبدو ذا صلة بالمشهد الموسيقي، ولإظهار أنه شامل حقا كما يدّعي أنه يسعى ليكون،" حسب ما تقول جونسون لوكالة فرانس برس.
إذا كان الفوز بالجوائز هو هدف بيونسيه الأساسي، فإنها كانت ستكتب موسيقى تناسب معايير الفوز، حسبما تشير جونسون، لكن بدلا من ذلك، "تركّز بيونسيه على السرديات والهوية".
وتضيف: "إنها واحدة من الفنانين القلائل الذين يتمتعون بحرية إبداعية كاملة، ولديها أيضا الثروة التي تمكنها من تحقيق رؤيتها". وتشرح جونسون أن هذه الرؤية تتسرب إلى الأجيال الجديدة من الفنانين الذين يفوزون عادة بالجوائز الكبرى، مشيرة إلى بيلي إيليش كمثال على الفنانين الذين استلهموا من بيونسيه العمل عبر أنواع موسيقية متعددة.
وفي النهاية، حتى لو لم تكن بيونسيه بحاجة إلى الاعتراف المؤسسي، فإن الفوز لا يزال مهما بالنسبة للمعجبين، وبالتالي، يمثل مسألة تمثيل وتمكين ثقافي.
وتحكي كيرير، "من الصعب تجاهل حقيقة أن هذه الجوائز تمثل اعترافا مهما للغاية،" واصفة الغرامي بأنه "اختبار حقيقي لمكانة العرق والأنواع الموسيقية في الصناعة الموسيقية".