سياسة
.
أعلن نادي تشيلسي الإنجليزي في السابع من فبراير الجاري تعيينه مدرب المهارات النفسي في منتخب نيوزلندا للرغبي جيلبرت إينوكا ليقوم بدور استشاري في الفريق لفترة وجيزة.
وجاءت الخطوة في سياق إستراتيجية مالك النادي الجديد تود بويلي، الذي استحوذ على تشيلسي الصيف الماضي، وصرف نحو 600 مليون استرليني في شراء اللاعبين الصغار، 320 مليون إسترليني في فترة الانتقالات الشتوية، والتي تهدف لبناء فريق قوي يهيمن على البطولات المحلية والعالمية في المستقبل.
وعلى خلاف رؤية بويلي، فإن تزامن هذه الخطوة مع النسق المتراجع لنتائج الفريق، مع المدرب جراهام بوتر، جعلت البعض يقرأها في اتجاه، تقديم جيبلرت إينوكا نصائح للاعبين لتجاوز الظروف النفسية السيئة التي يمر بها، لكن طبيعة التعيين، وأيضاً تاريخ دور إينوكا الحقيقي يبدو أعمق من ذلك.
يعمل جيبلرت إينوكا في مجال تنمية المهارات النفسية للرياضيين منذ 1980، لكن موعده مع الشهرة تأخر قليلاً، وتحديداً حتى عام 2000 عندما انضم إلى المنتخب النيوزلندي للرغبي و الشهير بـ"أوول بلاكس" في منصب مدرب مهارات نفسي، رفقة صديقه ومدرب الرغبي النيوزلندي واين سميث، واستمر إينوكا رفقة المنتخب النيوزلندي لـ23 عاماً حتى موعد انضمامه مؤخراً إلى تشيلسي.
ولعب إينوكا دوراً مؤثراً في منصبه كمدرب مهارات نفسي للمنتخب النيوزلندي، والذي استمر فيه 15 عاماً، نجح خلالها "أوول بلاكس" في التتويح بكأس العالم للرغبي في عامي 2011 و2015، إلى جانب هيمنته على التصنيف العالمي للرغبي لفترات طويلة.
وتقلد إينوكا مناصب أخرى مع المنتخب النيوزلندي للرغبي، إذ إصبح فيما بعد مساعداً للمدرب، ومدرباً أيضاً للمنتخب.
وشغل إينوكا أيضاً منصب مدرب مهارات نفسية بمنتخب نيوزلندا للكريكت في الفترة من 1998 وحتى 2004، كما شغل قبلها ذات المنصب مع المنتخب النيوزلندي لكرة الشبكة في الفترة من 1994 وحتى 1997.
بمجرد الإعلان عن تعيينه مدرباً للمهارات النفسية في تشيلسي، اشتهر جيلبرت إينوكا، بوصف واحد في وسائل الإعلام الإنجليزية، كونه صاحب فلسفة صارمة، قوامها محاربته للأنا المتضخمة في الفريق، والتي بحسب تصريحاته يعد حسمها أساس العلاج ووضع الفريق على الطريق الصحيح.
ويرمز إينوكا لتلك الذات:
إنهم أشخاص يضعون أنفسهم في قمة الفريق، ويعتقدون أنهم يستحقون كل شيء، ويتوقعون ان تكون القواعد مختلفة معهم، ويعملون بشكل مخادع في الظلام، أو يتحدثون بأعلى صوتهم عن عملهم مع النادي
وتابع: " ربما لا تعي الإدارة أن مثل هذه السلوكيات تأتي بنتائج عكسية، لذا غالباً ما يتم تجاهل هذا الأمر في الفرق كون اللاعب المعني صاحب مهارة كبيرة، مهمتنا تفعيل الإنذار المبكر ولجم هذه الأنا الطاغية قبل أن تتضخم، وشعارنا في ذلك: إذا كنت لا تستطيع أن تغيير ما بالناس.. فغير الناس..".
ربما تبدو هذه الفلسفة بشكل عام تكريس لروح الجماعة في الفريق، وهو أمر إن تحقق سيكون مفيداً للغاية لأي فريق، كونه يخلص الفرق من أزمات لا دواعي لها في غرف تبديل الملابس، لكن ربما يبدو تنفيذها صعباً في عالم كرة القدم.
والسبب يرجع بشكل أساسي لوجود ظاهرة النجم السوبر ستار في كل فريق، وكذا النجم الصاعد، وهو أمر يبرهن عليه أيضاً التفاوت الكبير في الرواتب بين اللاعبين، كما أن هنالك عامل آخر حاسم يمكن أن يعرقل تنفيذ هذه الفلسفة في عالم كرة القدم، وهو وجود المدرب صاحب الكلمة الفصل في كل ما يتعلق بالفريق.
وربما كان هذا هو السبب، وراء عدم انتشاء ظاهرة تعيين الأندية لمدربي مهارات نفسية، وذلك خوفاً من التداخل في المهام، وأيضاً لذهاب بعض المدربين بعيداً في تطوير مهاراتهم في المجال النفسي، من أجل ضمان إدارة تعامل وسيطرة أمثل على النجوم الكبار، ومن أبرز هؤلاء المدرب الألماني يورغن كلوب، والإيطالي كارلو أنشيلوتي والإسباني بيب غوارديولا.
ربما شكلت استراتيجية محو الذات المتضخمة، جانب ما من فلسفة إينوكا، لكن بعودة متأنية لثمار عمله في المنتخب النيوزلندي، قد تبدو هنالك بعض الأمور التي يمكن أن يساعد بها إينوكا الملياردير تود بويلي في بناء فريق أحلامه مع تشيلسي.
وبشكل عام تقوم فلسفة عمل إينوكا على تطوير ثلاث مسائل أساسية في الفريق، الأولى هي العقلية، والثانية المهارات، أما المسألة الثالثة فهي البنية.
وفيما يتعلق بالعقلية يهدف إينوكا إلى تنقية أفكار اللاعبين خلال المباراة، والتمييز بين الأفكار المفيدة والقيمة لهم في هذه اللحظة وتلك الضارة، أما في مجال المهارات، فيستهدف إينوكا ضبط الجانب الذهني، وتمليك اللاعبين الأدوات التي يجب استخدامها، مثل تقنيات التنفس والبقاء في قمة التركيز.
أما البنية فهي ربما تشير إلى صرامته، عبر إجراء تغييرات في المنظومة، من أجل ضمان الانسجام لتحقيق الأهداف.
ونجحت هذه المقاربة في إعداد المنتخب النيوزلندي لضمان هيمنة طويلة على بطولات الرغبي.
"بحال اتخذت الأمور مساراً مختلفاً وسيئاً عن هدف الفريق، فإن إينوكا لديه المقدرة على إعادتها إلى الطريق الصحيح.. إنه يعمل دائماً على تقوية الروابط بين اللاعبين.. ويعزز لديهم إحساس عدم لعبهم لأنفسهم وإنما لشي أكبر وهو الفريق"، هكذا جاء حديث قائد المنتخب النيوزلندي كورناد سميث عن فلسفة إينوكا لموقع "ESPN" أخيراً.
وعن نهجه، قال سميث: " لن يجد نجوم تشيلسي محاضرات عبر البور يوينت، إنما لوحة ورقية يستعمل إينوكا للكتابة عليها 4 أقلام ملونة، ويدون عدة عبارات، هذه العبارات سيتذكرها اللاعبين داخل الملعب واللحظات الحرجة.. كما سيرونه حافي القدمين في أغلب الأحيان (كناية عن التواضع وعدم تضخم الانا)".
وبشكل عام ربما تصلح هذه الفلسفة مع لاعبي تشيلسي، والذين يغلب عليهم صغر السن، لكن تبقي الأيام كفيلة برؤية تأثير إينوكا إيجاباً بالمساهمة في خروج البلوز من كبوته، أو سلباً بتعمق الهوة واستمرار الهزائم.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة