سياسة
.
ما الذي يخطر على بالك عند ذكر اسم "السلطة الفلسطينية"؟
التنسيق الأمني، أو عملية السلام والمفاوضات المستمرة.
لكن في ذهن الإسرائيليين ومؤيديهم دولياً فـ "السلطة" تعني: الجهة التي تشجع على قتل الإسرائيلين، أو ما يسمى الدفع للذبح، pay to slay، وهو المصطلح الإسرائيلي لصندوق رعاية أسر الشهداء والجرحى وهيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين.
محمود السرسك كان في طريقه لتوقيع عقد احترافي مع نادي نابلس عندما اعتقله الجيش الإسرائيلي على حاجز إيرز الحدودي لغزة بدون تهمة في عام 2009، واحتٌجز حتى العام 2012 بدون محاكمة.
خرج محمود من السجن بعد الإضراب الكامل عن الطعام لمدة 90 يوما. أما محمد يوسف من غزة فاغتالت القوات الإسرائيلية أخاه الأكبر ومعيل العائلة في الانتفاضة الثانية ما أدى لانقطاع مصدر دخلهم الوحيد.
صندوق الشهداء والجرحى وهيئة شؤون الأسرى والمحررين له وظيفتان أساسيتان في هذه الحالة:
1- إيداع مبلغ يتراوح بين 100 و320 دولار شهرياً لدى كانتين السجن لمحمود السرسك في الأسر لتغطية مصروفاته الأساسية، بما فيها الصابون والشامبو والمناديل الورقية التي توقفت إدارة السجون الإسرائيلية عن توفيرها.
2- صرف إعانة شهرية بين 350 و1000 دولار لعائلتي يوسف ومحمود. يعتمد المبلغ على عدد الأطفال في العائلة وحالتهم الاجتماعية، 50 دولار لكل طفل شهريا، و100 دولار للزوجة.
تُصّور إسرائيل الصندوق على أنه يقدم حافزاً للفلسطينيين للقيام بأعمال عنف ضد الإسرائيليين بهدف الحصول على المال. وتتهم إسرائيل السلطة الفلسطينية بدفع الأموال لأشخاص أدينوا "بالإرهاب"، وأنه كلما قتلت يهوداً أكثر كلما زاد معاشك الشهري.
"هل تعتقد أني أريد أولادي في السجن لسنوات من أجل بضع قروش؟ أو هل تعتقد أنهم فعلوها من أجل المال؟" يقول سعود خراج الذي اعتُقل أبناؤه الأربعة في السجون الإسرائيلية بتهم أعمال مقاومة مسلحة ضد جنود إسرائيليين "يفعل أبنائي ذلك بالمجان. أنهوا الاحتلال أولاً، عندها سننهي الحرب".
تنظر السلطة الفلسطينية لمخصصات سعود خراج باعتبارها تعويضا عن أثار الاحتلال ومساندة لصمود الشعب على الأرض، كما تراها ضروريةً لضمان الرعاية والصحة والتعليم والفرص المتساوية والتأهيل لمن فقدوا أرباب أسرهم أو أمضوا جزءاً من عمرهم في السجون الإسرائيلية لحين حصولهم على فرص عمل.
لا تميز السلطة بين إذا كان الأسير أو القتيل متهماً بعملية ضد إسرائيليين أم لا، لإنها ترى أن الاحتلال السبب الرئيس لأي تصعيد على الأرض. أضف إلى ذلك أن حبس الحكومة الإسرائيلية لفلسطيني لا يعني إدانته. فالفلسطينيون تتم محاكمتهم في محاكم عسكرية نسبة الإدانة فيها تتجاوز 99,7%.
إسرائيل لديها صندوق مماثل يحمل نفس اسما مشابها "صندوق سجناء صهيون وعائلات الشهداء".
يصرف الصندوق معاشات شهرية لعائلة أي إسرائيلي يعيش في فلسطين التاريخية قبل 1948 أو حالياً في أي مكان في العالم، وواجه حبسا أو نفيا، ودفع تعويضات لأسرته إن فقد حياته في سبيل إقامة ودعم دولة إسرائيل.
الثغرة التي تهاجم منها إسرائيل الصندوق الفلسطيني هي قانون عام 2003 الذي يرفع المبلغ المدفوع لعائلات الأسرى المحكوم عليهم بالسجن مدى الحياة أو الذين قضوا أكثر من خمس سنوات في السجن، وهو ما تقوم إسرائيل بتصويره كمكافأة كلما قتلت عدداً أكبر.
ألغت السلطة الفلسطينية وزارة شؤون الأسرى والمحررين في العام 2014 تحت ضغوط دولية، وجعلت منظمة التحرير الفلسطينية هي المسؤول عن الصندوق لتجنب العقوبات. كما قطعت مخصصات بعض الأسرى الفلسطينيين المحسوبين على حركة حماس منذ عام 2020.
لكن تستمر مطالبات المجتمع الدولي للسلطة لإعادة هيكلة الصندوق، بحيث تلغي الربط بين زيادة المخصصات وزيادة عدد سنوات الأسر، بهدف سد الثغرة التي تسمح بشيطنة هذه الإعانات، واستبدالها ببند يرفع قيمة المخصصات بحسب وضع العائلة واحتياجاتها.
يطالب صندوق النقد الدولي بخفض قيمة المخصصات بشكل كبير ويرى ميزانية الصندوق غير مبررة.
أحد المقترحات لإصلاح الصندوق دمج مخصصات الشهداء والأسرى في صندوق ضمان اجتماعي يشمل فئات أخرى من الفلسطينيين، كالعائلات الفقيرة والأيتام وعائلات من أعدمتهم جماعات فلسطينية مسلحة بتهم التخابر مع إسرائيل.
اسأل أي مدافع عن إسرائيل ما هو جوهر الصراع؟ أو لماذا يستمر الاحتلال حتى اليوم؟ وستسمع مصطلح "الدفع للذبح" كأحد الإجابات التلقائية والبديهية.
الحكومة الإسرائيلية الحالية تسعى لإعادة تعريف الصراع من مسألة مقاومة احتلال وحرمان من الحقوق الأساسية، إلى "حرب فلسطينية لتدمير دولة إسرائيل".
تستند هذه الحرب، من وجهة نظر إسرائيل، على التحريض الممنهج، ودفع المال من أجل قتل الإسرائيليين. وبالتالي بإمكانهم القول بأن إجراءات إسرائيل القمعية والعقابية وحملات الجيش المدمرة وعنف المستوطنين ما هي إلا مجرد رد فعل لحفظ الأمن والأمان.
أوقف الكونجرس الأمريكي المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية عام 2018 من خلال سن قانون "تايلور فورس" الذي يمنع تحويل هذه المساعدات لحين إيقاف السلطة دفع أي أموال لأي شخص يتم إدانته "بأعمال إرهابية" ضد إسرائيل أو حتى لأفراد عائلة منفذي العمليات ضد إسرائيل. وبالمثل، أوقفت أستراليا المساعدات المباشرة للسلطة الفلسطينية من خلال البنك الدولي بنفس الذريعة.
بينما يوشك البرلمان الأوروبي على اعتماد تقرير عن العلاقات الأوروبية مع الفلسطينيين في شهر أيار؛ تقدم العشرات من أعضاء البرلمان المؤيدين لإسرائيل بإضافات على التقرير تدين وبشدة في سبعة مواطن دفع السلطة المال لعائلات الشهداء والسجناء الفلسطينيين.
منذ العام 2018، تستخدم الحكومة الإسرائيلية صندوق الشهداء وهيئة الأسرى كذريعة لاقتطاع ما يفوق 180 مليون دولار سنوياً من إيرادات السلطة بشكل غير قانوني كإجراء عقابي.
اقتطعت الحكومة الجديدة مبلغ 40 مليون دولار إضافية من أموال الفلسطينيين هذا العام قامت بتحويلها لأسر إسرائيلية قُتل أحد أفرادها في عمليات فلسطينية.
حظرت إسرائيل البنوك الفلسطينية من فتح أي حساب أو إجراء أي معاملات لأكثر من ١٣ ألف أسير فلسطيني حالي وسابق بتهم "الإرهاب".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة