سياسة
.
هتافات تطلب تدخل فصائل المقاومة الإسلامية يرددها فلسطينيون من داخل المسجد الأقصى في ليالي رمضان، فما الذي يمنع حركة حماس، حتى اللحظة، من الدخول على خط الأحداث في الضفة؟ وما الذي من شأنه قلب هذه المعادلة؟
"إذا تكلمنا من ناحية استراتيجية فمن أجل أن تتطور وتتقدم المعركة في الضفة الغربية، تحتاج أن تضبط غزة نفسها" كانت هذه كلمات صالح العاروري نائب رئيس الحركة في تسجيل مسرب نشرته قناة كان العبرية.
منذ اتهام العاروري بتوجيه خلية لاختطاف ثلاثة جنود إسرائيليين في الضفة الغربية في العام 2014، ومسارعة الحكومة الإسرائيلية آنذاك لشن حرب على غزة دامت ٥١ يوماً، ترسخت قناعة لدى قيادات حماس بأن أي فعل مسلح لها في الضفة ستعتبره إسرائيل هجوماً من غزة. ما يعني نقل ميدان المعركة إلى القطاع.
لهذا السبب ترفض الحركة توجيه ضربات لإسرائيل بشكل مباشر في الضفة والقدس أو الانخراط بشكل علني في صفوف مجموعات عرين الأسود في نابلس وكتيبة جنين، على الرغم من دعمها لتصاعد العمليات المسلحة في الضفة.
هتفت مجموعة من الشباب في عام 2021 بشعار "مشان الله، يا غزة يلا" من قلب حي الشيخ جراح في القدس المحتلة وسط تصاعد وتيرة اعتداءات المستوطنين والقوات الإسرائيلية.
لكن، مع انطلاق أول رشقة من المقذوفات المصنعة محلياً من غزة باتجاه القدس في شهر مارس، شن الجيش الإسرائيلي عملية حارس الأسوار، وتحول انتباه الإعلام والمجتمع الدولي نحو غزة، ما أثر على تصاعد الأحداث في القدس، بينما استمرت بضع مواجهات محدودة مع القوات الإسرائيلية في الضفة.
تجنيب قطاع غزة حروباً أخرى أصبح التوجه السائد نسبياً لدى حماس من ذلك الحين، فامتنعت الحركة عن الدخول بشكل مباشر على خط المواجهة بين الجيش الإسرائيلي وحركة الجهاد الإسلامي شهر أغسطس الماضي.
بالإضافة للنية المعلنة لقيادات حركة حماس بإعطاء فرصة لتصعيد الأحداث في الضفة، ينطوي توجه الحركة نحو تجنب التصعيد على سبب سياسي آخر، وهو تفاهمات التهدئة المستمرة منذ العام 2018.
بموجب هذه التفاهمات برعاية حكومتي مصر وقطر، يمتنع الطرفان عن شن هجماتٍ ضد بعضهما لأجل غير مسمى.
فتحت الحكومة المصرية معبر رفح بشكل شبه دائم، وخففت الحكومة الإسرائيلية بعض مظاهر الحصار دون رفعه بشكل فعلي.
يشمل هذا التخفيف زيادة المساحة المسموح فيها بالصيد البحري في غزة والسماح بدخول الوقود لمحطة الكهرباء، ودخول المنحة القطرية والسماح لنحو 16 ألف عامل فلسطيني بالعبور من غزة للعمل داخل الخط الأخضر.
هذه التفاهمات تعني أن أي هجوم من حركة حماس ضد إسرائيل سيتبعه إغلاق فوري للمعابر وتقليص مساحة الصيد في غزة، ووقف دخول العمال والبضائع والوقود لحين استعادة الهدوء مرةً أخرى.
من وجهة نظر المنظومة الأمنية الإسرائيلية، يشكل ذلك "عامل ردع" للتصعيد في غزة التي تعاني من أزمات خانقة كانقطاع الكهرباء والبطالة المرتفعة وتلوث مياه الشرب وبطء وتيرة إعادة الإعمار.
كما تخشى الحركة أن غزة لن تجد إقبالاً من المجتمع الدولي لإعادة إعمار القطاع إذا ما نشبت حربٌ أخرى تدمر ما أعيد إعماره في الجولة الأخيرة.
قبل عقد من الزمان، أنشأ قائد كتائب القسام في غزة أحمد الجعبري جهاز الضبط الميداني لضمان تنفيذ اتفاقيات وقف إطلاق النار في غزة.
يعمل الجهاز على منع الفصائل المسلحة الأخرى في القطاع أو الأفراد من مهاجمة إسرائيل في أوقات التهدئة وفقاً لمبدأ وحدة قرار الحرب والسلم.
أسست الحركة، كذلك، غرفة العمل الفصائلي المشتركة عام 2018 كمظلة تجمع كل الفصائل المسلحة في غزة، وتعمل على إنشاء وحدة ميدانية لتنسيق الأنشطة العسكرية في أوقات التصعيد، بالإضافة لإلزام الفصائل الأعضاء بالامتناع عن مهاجمة إسرائيل دون ضوء أخضر أو قرار توافقي.
لكن من وقت لأخر، يتم إطلاق بعض المقذوفات محلية الصنع من غزة بشكل مجهول. فيرد الجيش الإسرائيلي في كل مرة بقصف أهداف تابعة لحركة حماس كمواقع التدريب أو ورش تصنيع الصواريخ باعتبارها الجهة المسؤولة عن حفظ الهدوء في غزة.
لم تتوقع الحكومة الإسرائيلية دخول حماس على خط المواجهة عام 2021. فعلى الرغم من أن الحركة أصدرت تحذيرات متواصلة طوال الأسبوع الذي سبق التصعيد، إلا أن المنظومة الأمنية الإسرائيلية لم تأخذ ذلك على محمل الجد بسبب نجاح تفاهمات التهدئة في ضبط الأوضاع في غزة.
ما دفع حماس نحو التصعيد في حينها كان مجموعةً من العوامل مجتمعة:
تتراكم الآن عوامل شبيهة بعام 2021، بالإضافة لتسجيل الشهور الأولى من العام الجاري رقماً قياسياً في عدد القتلى الفلسطينيين في الضفة على أيدي السلطات الإسرائيلية وتصعيد هدم البيوت الفلسطينية في القدس والمنطقة "ج" من الضفة.
تنظر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية للأوضاع في القدس والمسجد الأقصى على أنها الفتيل الذي قد يفجر موجة التصعيد التالية مع غزة.
تزداد هذه المخاوف في ظل وجود أكثر حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي التي تضم المستوطن المتشدد إيتمار بن غفير وزيراً للأمن، والذي اقتحم المسجد الأقصى في الأسبوع الأول من تشكيل الحكومة. وكان رئيس الشرطة الإسرائيلي كوبي شبيتاي ألقى باللوم على بن غفير بأنه المتسبب بتفجير أحداث عام 2021.
أما العاروري فقال في التسجيل المسرب بأن "تصاعد المقاومة في الضفة إلى المستويات المطلوبة غالباً يحمل في ثناياه احتمالات أن تتسع المواجهة إلى كل فلسطين وإلى خارج فلسطين"، بما في ذلك غزة. فهو يرى بأن الحرب التالية إن كانت معركة إقليمية متعددة الجبهات فقد تعطي فرصةً "لإلحاق هزيمة استراتيجية كبيرة" بإسرائيل، حسبما يرى.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة