سياسة

في محيط غلاف القطاع.. القتل رياضة

نشر

.

Muhammad Shehada

على مشارف غزة، خاطب العقيد أفينوعام إيمونة جنوده بصوت حماسي عام 2014 قبيل الاجتياح البري للقطاع المحاصر "سيكون من غير المحبذ أن تكون عربيًا الليلة. في كثير من الأحيان، سترونهم يفرون.. اقتلوهم وهم يهربون".

صفق الجنود المستمعون بينما استمر قائد لواء المظليين الإسرائيلي 101 بالحديث، واعتلت وجهه ابتسامة ثابتة "ابتسموا يا رفاق.. يجب أن تستمتعوا بذلك". ثم اتبع وهو يلوح بإصبعه للتأكيد "حاولوا... حاولوا الاستمتاع بذلك".

اليوم، يقترب نفس الشخص، العميد إيمونة، من تولي جهاز "الحرس الوطني" المستحدث بعد ترشيحه من قبل وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير للمنصب. ويحظى إيمونة بتأييد واسع في أوساط اليمين الإسرائيلي الحاكم حيث يتم مؤخراً تداول المقطع المصور لخطابه في حرب غزة كدليل على شجاعته وإقباله.

جيش قطاع خاص من ١٨٠٠ جندي

"مليشيا بن غفير" أو "جيشه الخاص" هو الوصف الذي أطلقه قيادات المعارضة الإسرائيلية على مشروع الجهاز الجديد. فوزير الأمن يسعى لأن يكون الحرس الوطني تحت إمرته المباشرة دون أي وسيط من مفوضية الشرطة أو قيادات الأجهزة الأمنية لكي يتمكن من إعطاء أوامر نافذة لأفراد الجهاز دون أن يعيقه اعتراض بعض القيادات الأمنية على قرارته المثيرة للجدل.

سيكون الحرس جهازاً أمنياً قتالياً عالي التسليح والتدريب مكون من حوالي 1800 من ضباط الاحتياط، بميزانية أولية مليار شيكل، نحو ربع مليون دولار. ولم يخفِ وزير الأمن، المدان إسرائيلياً بجرائم التحريض العنصري ودعم الإرهاب، نيته استعمال الحرس القومي ضد فلسطينيي الداخل على وجه التحديد، وخاصةً فيما يسمى بالمدن المختلطة كحيفا ويافا والرملة.

من المخطط أن يكون الحرس قوة إسنادية يمكن نشرها في الأراضي المحتلة أيضاً.

لذلك يعد اختيار بن غفير ضابطاً ذي مواقف متطرفة ضد الفلسطينيين، خطوةً بالغة الخطورة نحو تنفيذ رؤيته السياسية بالتضييق على فلسطينيي الداخل.

ضد النساء أيضاً

"لكن يكون لطيفاً السفر في عربة واحدة مع امرأة" هي كلمات العقيد أفينوعام عندما تولى قيادة لواء الجولان في الجيش الإسرائيلي، طالباً أن يكون المتحدث باسمه رجلاً لا امرأة، كونه لا يشعر بالراحة في عمله بجوار أي سيدة.

الضابط الذي اعتاد ارتداء غطاء الرأس الصغير، كيباه، ينحدر من خلفية دينية متشددة ويعتبر ممثلاً لتيار الصهيونية الدينية في الجيش الإسرائيلي. كما يقطن في مستوطنة في هضبة الجولان المحتل.

يرى إيمونة، الذي شارك في قمع الانتفاضة الثانية وحرب لبنان عام 2006 وحرب غزة عام 2014، بأن خطابه عن "الاستمتاع بقتل الفلسطينيين" أمام الجنود على تخوم غزة هو "كلمات محفزة" ضرورية يجب أن يتم استعمالها بشكل منهجي في الجيش الإسرائيلي. وكرر لأكثر من ست مرات في مقالٍ تعليمي لجنود الجيش بضرورة أن يبتسم الجندي أثناء الهجوم العسكري في حروب غزة لرفع روح القتال لدى الجنود.

الجيش يحبه

يبدو أن خطاب أفينوعام إيمونة لم يكن مثيراً للجدل في أوساط الجيش الإسرائيلي. إذ حصل على ميدالية القائد العام للشرف في أعقاب حرب غزة، عملية السور الواقي 2014، وترّقى بعد قيادته كتيبة المظليين 101 أثناء الحرب. واعتبرته الصحافة الإسرائيلية "ضابطاً متميزاً" عند استعراض مقطع خطابه المصور.

تدرج إيمونة في المناصب العسكرية بعدها ليصبح قائداً لوحدة النخبة ماجلان الاستطلاعية القتالية عام 2016 حيث ساهم في التصدي لمسيرات العودة الكبرى في غزة وقتلت وحدته العسكرية ثمانية فلسطينيين في يوم واحد من المسيرة. بعدها تولى قيادة لواء الجولان عام 2018.

عاقب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيمونة بتعطيل ترقيته لعامين في العام 2021 وذلك بعد أن خلص تحقيق داخلي في الجيش بأنه لم يفعل ما يكفي لمنع أحد الجنود وحدة ماجلان حينما كان قائدها من اتباع تقليد القفز من عربة دفع رباعي إلى العشب، ما أدى لإصابة جندي بجروح خطيرة.

كان هذا الانتقاد الوحيد الذي تعرض له العميد أفينوعام داخل الجيش. لكنه تقدم باستقالته من منصبه احتجاجاً على ذلك القرار في العام 2022، ما أدى لموجة من الاحتجاجات في أوساط اليمين الإسرائيلي الذي تعاطف معه وبشدة وتداول خطابه على حدود غزة كدليل على شجاعته.

.. لكن القادة متضايقون

في المقابل، يعارض تشكيل جهاز الحرس الوطني، رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي الداخلي، الشاباك، رونين بار ومفوض الشرطة العام كوبي اشبيتاي والمستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا. فمن ناحية، يرى قيادات الأجهزة الأمنية بأن الجهاز الجديد غير ضروري وقد يفاقم من التوترات الداخلية، ويخشون من جهة أخرى إصرار وزير الأمن على أن يكون مثل هذا الجهاز خطوةً لتنفيذ رؤيته المتطرفة. كما سادت حالة من السخط بين وزراء الحكومة الإسرائيلية الذين يرفضون تقليص ميزانيات وزارتهم لصالح موازنة الجهاز الأمني الجديد.

على الرغم من ذلك، صادقت الحكومة الإسرائيلية بشكل رسمي على تشكيل الحرس الوطني واستقطاع نحو 1.5% من ميزانيات جميع الوزارات لصالح موازنة وزير الأمن بن غفير.

القتل وحده بانتظار الفلسطيني

بضع أسابيع هي كل ما يفصلنا عن تشكيل الجهاز الجديد الذي سيعنى بحسب وزيره بقمع احتجاجات فلسطينيي الداخل إذا ما نشبت حرب جديدة على غزة أو تصاعدت الأحداث في الضفة. كما سيعنى بمصادرة الأسلحة في الأوساط العربية وملاحقة الجرائم الزراعية بحد وصف بن غفير. وتسير الآن مفاوضات داخلية في وزارة الأمن لتحديد اختصاصات الجهاز وصلاحياته وهيكليته التنظيمية، حيث يصر قادة الأجهزة الأمنية بأن يكون الجهاز تابعاً لمفوض الشرطة أو شرطة الحدود العسكرية (مجاف).

إذا تولى رئاسة الجهاز شخصية متطرفة كالعميد إيمونة، فمن المتوقع أن يسود تعامل الجهاز مع الجمهور الفلسطيني العنف المفرط وعدم التمييز بين الأهداف واستعمال القوة المميتة كأول خيار، ما سيجعله أشد بطشاً من جهاز شرطة مجاف المعروف باعتداءاته المتكرر على الفلسطينيين في القدس وحوارة والخليل.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة