سياسة

بلغاريا.. رأس حربة أوروبا ضد اللاجئين

نشر

.

Qassam Sbeih

لم يكن يتصور الشاب السوري عبد محمد ذو التسعة عشر عاماً أن تنتهي محاولة عبوره الحدود البلغارية برصاصة حية تخترق صدره وتصيبه بالقرب من قلبه أطلقها عليه عناصر الشرطة البلغارية. وكذلك لم يخطر ببال طالب اللجوء نكمان أن يؤول به الحال مختطفاً في قصف قذر للماشية بعد دخوله بلغارية. هذه القصص القاسية هي جزء من ممارسات ممنهجة تتبعها السلطات البلغارية لردع دخول طالبي اللجوء لأراضيها من تركيا في مخالفة صارخة لقوانين الاتحاد الأوروبي والقانون الدولي.

ما الذي يحصل بالضبط؟

"عندما أمسكوا بنا، ضربونا بشكل مبرح... جردونا من ملابسنا... حلقوا حواجبنا بشفرة حلاقة جيليت. ثم وضعونا في غرفة خشبية تتسع لـ 20 شخصًا فقط، لكنهم أجبروا 60 شخصًا على دخولها؛ حتى الحيوانات لا يستطيع البقاء على قيد الحياة في تلك الغرفة الخشبية. لها أسوأ رائحة على الإطلاق. إذا كنت بحاجة لاستخدام المرحاض، فكل ما يمكنك فعله هو الذهاب إلى الجانب. لم ينظروا لنا بعيون بشرية"، هذه شهادة أحد طالبي اللجوء الذين عبروا الحدود البلغارية بعد أن اقتادتهم الشرطة لقفص رث وقديم للحيوانات وأجبروهم على البقاء هناك لساعات طويلة قبل الإلقاء بهم نحو الحدود التركية.

لاجئ: عندما السلطات البلغارية ضربتنا بشكل مبرح وجردتنا من ملابسنا وحلقت حواجبنا بشفرة حلاقة.. حتى الحيوانات لا تستطيع العيش هكذا

العديد من المنظمات الحقوقية والصحف الغربية وثقت بأدلة دامغة استخدام السلطات البلغارية هذه الوسائل غير الآدمية في قمع وطرد طالبي اللجوء وأبرزها الاختطاف والاحتجاز في أقفاص حديدية مليئة بالنفايات والقاذورات والضرب والإهانة والتعذيب والاستيلاء على الممتلكات الشخصية ونزع الملابس ومن ثم الطرد بعد 1-3 أيام من الاحتجاز. وفي بعض الحالات أطلقت الشرطة البلغارية الكلاب لمهاجمة طالبي اللجوء وفق ما وثقته منظمة هيومن رايتس ووتش.

هذا إذا كان المرء محظوظاً كفاية ليتمكن من اجتياز الحدود البلغارية أساساً. فالشرطة الحدودية تقوم باستعمال العديد من الأدوات العنيفة كالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع والضرب لمنع المهاجرين من العبور لأراضيها من تركيا. وهو ما حدث مع الشاب عبد الله محمد عندما أصابه عيار ناري مباشر في الصدر.

كيف يتم إرجاعهم؟

عملية النقل للحدود التركية لا تقل قسوة عن المراحل السابقة من الاحتجاز. حيث تقتاد الشرطة البلغارية الأشخاص المراد ترحيلهم للسياج الفاصل مع تركيا، وتجربهم على خلع ملابسهم وأربطة أحذيتهم بينما يستمرون في ضربهم. أحد اللاجئين صغار السن أفاد بأن الشرطة أدمت أنفه وضربت وجهه بشدة لدرجة أنه فقد البصر في إحدى عينيه بشكل مؤقت، كما كُسرت كلتا يديه عندما دفعه عناصر الشرطة في حفرة. وقال الشاب الأفغاني لمنظمة هيومن رايتس ووتش: "عندما أخرجونا من السيارة، قالوا لنا أن نكرر جملة "لا بلغاريا". واستمروا في ضربنا حتى كررناها... أعادونا بالملابس الداخلية فقط".

ممارسات صد وطرد طالبي اللجوء مستمرة في بلغاريا منذ العام 2014. فبحلول مطلع العام 2021، تم توثيق نحو 2,513 عملية طرد لطالبي اللجوء والمهاجرين شملت 44988 شخصاً وفقاً للجنة هلسنكي البلغارية. وفي العام 2020 وحده، قامت السلطات البلغارية بطرد 15173 طالب لجوء ومهاجر لتركيا.

لماذا يرغب طالبوا اللجوء العبور لكرواتيا؟

بلغاريا هي أحدى الدولتين المحدتين لإسطنبول من الغرب، ويراها بعض طالبي اللجوء ممراً أقل مراقبةً وتحصيناً من الحدود اليونانية البرية شديدة الحراسة. العابرون من بلغاريا هدفهم هو المتابعة نحو دول أوروبا الغربية، حيث بإمكانهم المرور عبرها لرومانيا أو صربيا ومن ثم محاولة دخول هنجاريا أو كرواتيا للمرور نحو النمسا أو إيطاليا أو ألمانيا. أما بلغاريا نفسها، فعلى الرغم من كونها عضوا في الاتحاد الأوروبي، إلا أنه ليست جزءً من منطقة الشنجن للحركة الحرة، ويتسم نظام اللجوء فيها بالتعقيد والتشديد المفرطين. فعلى الرغم من نجاح حوالي 10,947 شخصاً من تقديم طلب لجوء في بلغاريا في العام 2021، إلا أن الحكومة أصدرت قرارات نهائية فيما يخص 276 طلب لجوء فقط، قوبل حوالي نصفهم بالرفض، أما النصف الآخر فكان أغلب المقبولين من روسيا.

ما موقف الاتحاد الأوروبي؟

التقاعس وتجاهل الأمر كانا رد الاتحاد الأوروبي تجاه ممارسات بلغارية غير القانونية لصد طالبي اللجوء وإعادتهم قسرياً وتعذيبهم. وعلى الرغم من إعلان الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل، فرونتكس، العام الماضي فتحها تحقيقاً ضد الشرطة البلغارية بعد توثيق قيام عناصرها بحبس مجموعة من المهاجرين في أقفاص غير آدمية، إلا أن فرونتكس نفسها متهمة بالتواطؤ في عمليات صد طالبي اللجوء في دول أوروبية أخرى أبرزها اليونان. كما أن تقارير صحفية غربية أشارت لتواجد عناصر من فرونتكس بجوار الأقفاص الحديدة في بلغاريا وهي مليئة بالمحتجزين دون أن يقوم أي من أفراد الوكالة الأوروبية بتحريك أي ساكن.

علاوة على ذلك، أعطى الاتحاد الأوروبي الحكومة البلغارية تمويلاً بملايين اليوروهات في السنوات الأخيرة لضبط أمن الحدود. واستخدمت قوات الحدود البلغارية أموال الاتحاد الأوروبي لتجديد مركز شرطة سريديتس حيث توجد الأقفاص الحديدة التي يحتجز طالبو اللجوء بداخلها. وقد أشارت مؤسسة لايتهاوس ريبورت الصحفية بأن الاتحاد الأوروبي يقوم بتمويل الاعتقالات وطرد المهاجرين بشكل مباشر. المفوضية الأوروبية كانت قد أشادت بإدارة بلغاريا للحدود في تقرير حديث، حيث قالت أن السلطات البلغارية تحترم الحقوق الأساسية بما في ذلك حق الوصول للحماية الدولية.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة