سياسة
.
"نحن عنصريون. نحن عنصريون لأننا نريد الحفاظ على حياتنا وعقلنا. لذلك أنا فخورة بكوني عنصرية"، بكل فخر وصفت نفسها السياسية اليمينية المتطرفة ماي جولان من وسط تل أبيب في تظاهرة ضد اللاجئين من ذوي البشرة السمراء عام 2012.
جولان، نائبة الكنيست عن حزب الليكود الحاكم، تحتل اليوم منصب وزيرة "النهوض بوضع المرأة"، على الرغم من تصريحها عام 2017 بأنها تبغض حركات حقوق المرأة وتعتبرها "حركات كراهية".
الآن يختارها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتكون قنصل إسرائيل العام في نيويورك، ما أثار موجةً من الانتقادات الداخلية لهذا القرار. لكن قصة نشأة جولان تخفي تعقيدات وعلاقات عنصرية ما بين أفراد المجتمع الإسرائيلي وبعضهم البعض.
يعد قنصل إسرائيل في نيويورك منصباً رفيعاً وحساساً نظراً لوجود أكبر جاليةٍ يهوديةٍ في الولايات المتحدة في مدينة نيويورك، بخلاف كثافة تواجد القنوات الإعلامية الرئيسية والصحف الكبرى والسوق المالي الأكبر في العالم في تلك المدينة. لذلك يعطي هذا المركز لحامله نفوذاً واسعاً.
يدافع حزب الليكود عن اختياره جولان بالقول بأنها تمتلك "مهارات دعائية ممتازة باللغة الإنجليزية" ما يجعلها واجهة مثالية للدفاع عن سياسات الحكومة الإسرائيلية، كونها أيضاً حسنة المظهر وصغيرة السن.
بينما تقول المعارضة الإسرائيلية إن اختيارها كارثي وسيؤثر سلباً على علاقات إسرائيل بالجالية اليهودية في أميركا التي يغلب عليها الليبرالية والانفتاح والإيمان بمبادئ المساواة بين الجنسين، حسبما تقول رئيسة تحرير هآرتس في تغريدة لها، هاجمت فيها قرار نتنياهو.
بعض الناشطين الإسرائيليين ناشد الرئيس الأميركي جو بايدن رفض قبول تعيينها "نظراً لسجلها العنصري والمعادي للأجانب" ولكونها عضواً سابقاً في حزب "القوة اليهودية" اليميني العنصري والمنحدر من حركة كاخ الإرهابية.
يسمح ميثاق فيينا للعلاقات الدبلوماسية للدولة المستضيفة أن ترفض قبول تعيين دبلوماسي بعينه.
"بالنسبة لسكان جنوب تل أبيب، فإن المتسللين هم جماعة إرهابية"، هكذا تصف ماي جولان اللاجئين المنحدرين من أصول أفريقية في إسرائيل، مضيفةً أنها تتجنب أي مطاعم أو محلات يعمل فيها أي لاجئ من ذوي البشرة السمراء لإنها تعتقد بأن "واحدًا من كل ثلاثة متسللين مصاب بالإيدز أو السل".
حين أخبرها صحفي بأن فيروس المناعة المكتسبة لا ينتقل إلا عن طريق الاتصال الجنسي أو نقل الدم أجابت "حسنًا، لكني أعتقد أن المتسللين لا يجب أن يعملوا في المطاعم. أتحقق من كل مطعم قبل أن أدخله وأدعو المواطنين الإسرائيليين الذين يهتمون بأنفسهم وصحتهم لفعل الشيء نفسه".
مظاهرة لطالبي لجوء أفارقة في إسرائيل. الصورة أ ف ب
ترى جولان اللاجئين من أصحاب البشرة السمراء في إسرائيل باعتبارهم مجرمين ومغتصبين يجب طردهم. تقول جولان بفخر "منذ وصول المتسللين من إريتريا والسودان، تضاعف معدل الجريمة أربع مرات. لا يوجد واحد منهم يخرج بدون سكين أو مشرط في حذائه".
تميز نائبة الكنيست جولان بين أعراق اللاجئين المختلفة وتربطهم بأنواع مختلفة من الجرائم، فهي ترى بأن القادمين من إريتريا "أكثر ذكاء وصخبا، وجرائمهم أكثر دهاء. عندما يهاجمون أو يسرقون، فإنهم يضربون ويهربون". بينما تقول "السودانيون ليسوا كذلك، بعد أن يسرقوا تليفونك، يستمرون في ضربك. هناك اختلاف في مستوى القسوة".
نظرة النائبة والوزيرة جولان للعرب والفلسطينيين لا تقل عنصرية. "الأطفال الفلسطينيون مغسولةٌ أدمغتهم ضد إسرائيل ليل نهار والنتيجة هي عنفهم المتواصل ضد الجيش الإسرائيلي" هكذا ترى جولان جذور الصراع الفلسطيني ضد الاحتلال.
مظاهرة فلسطينية- إسرائيلية ضد عنف الشرطة الإسرائيلية. الصورة أ ف ب
ماي تفتخر بصداقتها الحميمة على مدار أكثر من عشر سنوات مع وزير الأمن الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير المدان سابقاً بجرائم دعم الإرهاب والتحريض العنصري من محاكم إسرائيلية.
كانت جولان نائبة الكنيست الأبرز التي اعتصمت مع بن غفير في خيمة أقامها بحي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة العام الماضي للمطالبة بطرد سكان الحي من الفلسطينيين. هي أيضاً مقربة جداً من صديق ومعلم بن غفير، المستوطن المتطرف مايكل بن آري الذي مُنع من خوض الانتخابات الإسرائيلية بعد إدانته بجرائم عنصرية.
كلا الرجلين تلميذان للحاخام الإسرائيلي الأميركي المشهور بعنصريته وتطرفه، مائير كاهانا، والذي دعا لطرد جميع العرب من الأراضي الفلسطينية المحتلة وداخل الخط الأخضر ناعتاً إياهم بـ"الكلاب".
أدرجت الحكومات الأميركية والكندية وحتى الإسرائيلية حركة كاخ التابعة لكاهانا على قوائم الإرهاب بعد أن قام تلميذه باروخ جولدشتين بارتكاب مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994.
"وصفي بـالـ كاهانية لا يهينني على الإطلاق. فالحاخام كاهانا كان أول عضو كنيست يقتله الإرهابيون، وإنه لشرف لي أن أتحدث في حشد للاحتفال بذكراه"، تقول جولان مفتخرة بانتمائها العنصري عام 2014 بعد أن ترشحت على قوائم حزب "القوة اليهودية" الكاهاني.
أفراد من الشرطة الإسرائيلية يلقون القبض على أحد طالبي اللجوء من الأفارقة في إسرائيل. الصورة: أ ف ب
اختيارها لهذا الحزب رغم صغر سنها آنذاك، 27 عاماً، كان بهدف تبييض صورته بسبب ارتباط اسمه بالمتدينين المتشددين والمستوطنين المتطرفين الذين عادة يكونون من الرجال، لذلك كانت جولان بالنسبة لهم " واجهة فوتوغرافية حسنة". قبل أن يلتقطها حزب الليكود لتصبح نائبة عنه في الكنيست عام 2019.
تطرف خطاب القنصل الإسرائيلية الجديدة اضطر تطبيق تيكتوك لحذف مقاطع فيديو نشرتها عام 2022 بسبب مخالفتها سياسات منع التحريض على العنصرية وخطاب الكراهية.
"هذه ماي، ظهرت قبل أيام قليلة في برنامج دان شيلون وقالت إنها فقيرة. تعيش في جنوب تل أبيب، ستنضم إلينا الآن، لكنها لن تدفع رسوماً للمدرسة"، كهذا عرَّفها المدرس لزملائها في الفصل في أول يوم دراسيٍ لها بمدرسة أي دي جوردون الابتدائية الخاصة في منطقة شمال تل أبيب الثرية، وفق ادعائها.
مطعم شعبي في أحد أحياء الفقيرة في تل أبيب. الصورة: أ ف ب
حصلت ماي جولان حينها على منحة دراسية من البلدية بوساطة من الممثلة الإسرائيلية جيلا الماجور بعد أن ظهرت الطفلة جولان ذات التسع سنوات على التلفاز مع والدتها لتحكي عن حياتهم كأحد الأسر المعدمة التي تعيش على الإعانات الاجتماعية وتقطن في أحياء جنوب تل أبيب الفقيرة.
تروي ماي أنها تعرضت للتحرش الجنسي العنيف أكثر من مرة على مدار طفولتها ولم تلق مساندة من المجتمع المحيط بها.
والدة ماي يهودية مهاجرة من العراق، أما والدها فلا تعرف عنه شيئاً حيث ولدت من علاقة غير شرعية ما ترتب عليه نبذها ووالدتها من قبل عائلتهم من طائفة الحريديم شديدة التدين.
تربت بعدها جولان في الأحياء الفقيرة في جنوب تل أبيب وحيدةً مع والدتها التي انهمكت بالعمل دون أن يكون لديها وقت كافٍ لطفلتها. وتقول ماي بأنها تعرضت للتنمر الشديد من زملائها من اليهود الأشكناز الأثرياء في المدرسة كونها من يهود المزراحيم غير البيض.
"في سنواتي الثلاث الأولى هناك، كان 80٪ من الوقت جحيماً على الأرض.كنت أذهب للحمام وأبكي على ما قالوه لي: 'أنت جنوبية قذرة، ملوثة، تعيشين مع مدمنين وبغايا، أنت تعيشين على حساب مدرستنا". وكان لجولان اسم أوسط هو فلورا بدرا، استغنت عنه كونه اسمها ذو أصل شرقي عرضها للمزيد من التنمر والاحتقار.
بالمقابل، ينظر بعض الصحفيين الإسرائيليين لتوجهات ماي المتطرفة على أنها تعويض للنقص الذي عانت منه، وأنها باتت تمارس التنمر على من هم أقل منها كاللاجئين أصحاب البشرة السوداء والفلسطينيين الذين تعتبرهم "كيس ملاكمة" للتنفيس عما بداخلها من كراهية ونقمة. فالأقليات العرقية والفلسطينيين المحتلين يعتبرون أهدافاً سهلة في الساحة السياسية الإسرائيلية لا يتسبب خطاب الكراهية ضدهم في دفع أثمان باهظة، بل يلقى مثل هذا الخطاب الترحيب والاستحسان في أوساط اليمين الإسرائيلي الحاكم.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة