سياسة

مفترس في السودان

نشر

.

Muhammad Shehada

شاحنة سوداء اللون بزجاجٍ عاكس تجوب شوارع جزيرة قبرص في شهر ديسمبر من العام 2019 أوقفتها الشرطة، لتجد بداخلها تقنيات مراقبة متطورة للتجسس على سكان الجزيرة.

ركاب الشاحنة الثلاثة كانوا ضباطاً سابقين في الاستخبارات الإسرائيلية يعملون لصالح شركة واي-سبير الناشئة عام 2013 لصاحبها تال ديليان، الرئيس السابق لقسم المخابرات العسكرية الإسرائيلية المعروف باسم الوحدة 81. الشركة قالت حينها إنها كانت تجري "اختبارات ميدانية بعلم السلطات القبرصية".

عاد اسم ديلان للظهور مرة أخرى بعد اكتشاف أثر لبرنامج بريداتور للتجسس على الهواتف، في السودان، والذي تصنعه شركة ديلان الثانية "سيتروكس" المسجلة في مقدونيا الشمالية والتي تتخذ من اليونان مقراً لعملياتها، وهي مملوكة من الشركة الأم انتيللكسا المسجلة في العديد من الدول.

اختراق دون رابط

بريداتور قادر على اختراق أي هاتف دون الحاجة لأن يضغط مستخدم الهاتف على أي رابط أو أن يتسلم ملفاً معطوباً.

يُمَّكن البرنامج التجسسي مشغله من التنصت على مكالمات الضحية، وفتح الكاميرا والميكرفون دون معرفته، كما يتيح الوصول لأي معلومات على الهاتف كالموقع الجغرافي الدقيق على مدار الساعة، والوسائط المتعددة والرسائل والتطبيقات المختلفة والبريد الإلكتروني.

الهروب من إسرائيل

سبب تسجيل مجموعة انتيللكسا التي تقدم أحدث أدوات الاختراق والتجسس السيبراني خارج إسرائيل، هو تخطي الرقابة الصارمة التي تفرضها وزارة الدفاع الإسرائيلية على الصادرات الدفاعية والعسكرية. فمثلاً حظيت شركة إن إس أو، المصنّعة لتطبيق بيجاسوس، بمعاملة تفضيلية من الحكومة الإسرائيلية، إذ استخدمتها كحافز لتوسيع علاقاتها مع الحكومات المختلفة حول العالم.

رحلة غامضة لطائرة مجهولة

طائرة حطت بمطار السودان لـ 45 دقيقة فقط، كانت كفيلة لقلب الأمور رأساً على عقب. وفي مخالفة للإجراءات الرسمية، فإن تفاصيل وصول الطائرة البيضاء الأنيقة "سيسنا" وركابها وحمولتها تم تسجيلها في مكان لا يمكن الوصول إليه، لتبقى رحلتها شديدة السرية طي الكتمان.

لكن تحقيقاً صحافياً عام 2022 كشف بأن ما أوصلته الطائرة كان أدوات مراقبة عالية التقنية مصنوعة في الاتحاد الأوروبي، كفيلة بتغيير معادلات القوة في البلد الذي يحكمه مجلس عسكري انتقالي منذ العام 2021.

سرعان ما أُفرغت محتويات الطائرة، ونقل جميع الصناديق من الخرطوم إلى دارفور على عُجالة حتى لا تقع في قبضة الجيش السوداني.

متلقي الشحنة كان رئيس قوات الدعم السريع حميدتي الذي التقى رجال المخابرات الإسرائيلية مرتين على الأقل في العامين 2021 و2022.

في يد حميدتي

وقوع مثل هذه التكنولوجيا في يد حميدتي "سيقرب السودان خطوة أخرى نحو مواجهة علنية مع القوات المسلحة، ما يزيد من خطر الوقوع بحرب أهلية" وفق ما تنبأت به أنيت هوفمان، الباحثة بمعهد كلينجينديل في هولندا العام الماضي.

يبدو أن تنبؤ الباحثة الهولندية كان في محله. فالسودان تشتعل فيه الآن نيران معارك قوات الدعم السريع والقوات المسلحة.

إذ يتهم حميدتي الفريق أول البرهان بالتآمر للاستيلاء الكامل على السلطة بالتعاون مع أنصار الرئيس السابق عمر البشير المخلوع عام 2019 وتيارات إسلامية. بينما يتهم الجيش قوات الدعم السريع بالتعبئة غير القانونية ومحاولة تغيير النظام والانقلاب على المجلس السيادي الانتقالي الذي يرأسه البرهان.

اعرف أكثر

إغراء السلاح

استيقظت اليونان شهر أغسطس الماضي على ضجة صاخبة أطاحت برئيس المخابرات باناجيوتيس كونتوليون والأمين العام لديوان رئيس الوزراء غريغوريوس ديمترياديس بسبب برنامج "بريداتور" للتجسس.

كشفت تحقيقات عن استعمال بريداتور من قبل الحكومة ضد رئيس حزب المعارضة نيكوس أندرولاكيس، والصحفية ثاناسيس كوكاكيس العاملة في محطة سي إن إن الأميركية.

برنامج بريداتور يشبه توأمه "بيغاسوس" الذي وضعت الحكومة الأميركية شركته، إن إس أو، على القوائم السوداء.

عقاب يوناني لإسرائيل

بعد استجواب النائبة في البرلمان الأوروبي صوفيا أن تي فيلت للمفوضية الأوروبية حيال توصيل الطائرة سيسنا معدات التجسس بشكل سري وغير قانوني للسودان، فتح المدعي العام للاتحاد الأوروبي تحقيقاً بشأن ما يسمى "بريداتور-غيت".

يهدف التحقيق لفحص ما إذا كانت الحكومة اليونانية خالفت القانون الأوروبي، EU 2021/821، المتعلق بالمنتجات "ذات الاستخدام المزدوج" والذي يشترط لتصديرها الحصول على ترخيص خاص وإجراءات مشددة، لضمان عدم استخدامها لأغراض ضارة ضد مدنيين.

هذا التحقيق قد يدفع الحكومة اليونانية لاتخاذ إجراءات عقابية ضد الشركة إسرائيلية الأصل وتقييد صادراتها السيبرانية.

أصوات أوروبية تعالت بضرورة حظر أدوات التجسس التجارية، خاصة بعد حظر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن نهاية شهر مارس الماضي استيراد واستخدام برامج التجسس التجارية التي استخدمت سابقا ضد أهداف أميركية.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة