سياسة

اختبار أردني على جسر إسرائيلي

نشر

.

Muhammad Shehada

"تذكر أن الشعب هو مصدر السلطات، ونحن مجلس الشعب، ولا نسمح لك أن تدخل تحت القبة بالقرارات الظالمة بحق الشعب الأردني. نعتذر عن استقبالك" هكذا جاءت كلمات وصفت بـ"الجريئة" أطلقها أحد أصغر أعضاء مجلس النواب الأردني سناً أمام رئيس الوزراء بشر الخصاونة احتجاجاً على سياسات رفع الأسعار عام 2021.

عماد العدوان البالغ من العمر 33 عاماً حينها كان يجلس في المقعد المخصص للخصاونة، ومنعه من الانضمام للجلسة البرلمانية ما أدى لتأجيلها وأحدث ضجة في الشارع الأردني.

اليوم، يجد عدوان نفسه وسط عاصفة إعلامية أخرى بعد أن اعتقله الجيش الإسرائيلي مساء السبت بتهمة تهريب كمية كبيرة من السلاح للأراضي المحتلة، ما وضع البلدين في مأزق دبلوماسي يمتحن قوة علاقاتهما ومدى ثقل وزن الأردن الإقليمي لتأمين الإفراج عن مواطنها الذي ينضم لـ ١٩ أردنياً آخرين في السجون الإسرائيلية.

سلاح على الجسر

النائب عماد كان يشرع في عبور جسر الملك حسين في اتجاه الضفة الغربية عندما أوقف ضباط إسرائيليون سيارته للتفتيش على غير العادة، حيث لا يتم تفتيش مركبات البرلمانيين الأردنيين، لكن معلومة وصلت للحكومة الإسرائيلية بمحاولة نائب برلماني القيام بعملية تهريب. بعدها انقطعت أخبار عدوان وسارعت الشرطة الإسرائيلية لفرض أمر بتعتيم إعلامي على القصة في وسائل الإعلام العبرية.

"١٢ بندقية آلية من طراز إم-16، و٢٧ مسدسا من طراز ZIG، و167 مسدسا من طراز Glock، بالإضافة لـ١٠٠ كيلو من الذهب" هذا ما أعلنته تقارير مبدئية، لكن محطة التليفزيون الإسرائيلي 12 نفت لاحقاً العثور على أي ذهب في السيارة، بينما نشرت الشرطة الإسرائيلية مقطعاً مصوراً يوثق كمية السلاح المضبوطة دون الإشارة لصاحبها.

عماد، الحاصل على درجة الماجستير في القانون الدولي، ينحدر من عائلة أردنية كبيرة تلقب "بقبيلة القدس" لتواجدها بمحافظة البلقاء بالقرب من حدود الأراضي الفلسطينية، وتشهر تاريخياً بدعم المجموعات المسلحة الفلسطينية، وتوفير سلاح لبعض عناصرها، ويتمتع عماد بشعبية وسط شباب دائرته في الشونة الجنوبية.

ما خطورة الموقف؟

"تحية إجلال واحترام إلى حركات المقاومة وإلى حماس وإلى الرمز العربي أبو عبيدة" هذا ما صرح به النائب الشاب، عضو لجنة فلسطين البرلمانية، من تحت قبة مجلس النواب الأردني بعد عملية السور الواقي الإسرائيلية على غزة عام 2021. لكن على الرغم من موقفه الداعم للمجموعات الفلسطينية المسلحة، إلا أن تفاصيل قضية التهريب والوجهة النهائية للسلاح لم تتضح حتى الآن. وذلك بسبب أوامر منع النشر الإسرائيلية تعطل الحصول على صورة دقيقة عن الحدث وتبين مدة خطورة وحساسية الموقف بين البلدين المرتبطين بعلاقات دبلوماسية منذ العام 1994، رغم وصف السلام بينهما بـ "البارد".

ما يزيد الأمر تعقيداً هو أن هذه الحادثة تأتي في ظل تأزم العلاقات بين البلدين إثر اقتحامات الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى الواقع تحت الوصاية الأردنية خلال شهر رمضان. سبق ذلك أن إلقاء وزير المالية الإسرائيلي خطابا من منصة رسمت عليها خارطة إسرائيل الكبرى التي تضم الأردن كجزء منها، الأمر الذي تسبب في تصويت مجلس النواب الأردني بالأغلبية لطرد السفير الإسرائيلي من عمان، بالإضافة لمطالبة وزير الخارجية الأردني السابق وأول سفير أردني في إسرائيل مروان المعشر بقطع العلاقات مع حكومة نتنياهو اليمينية.

"هذه حادثة خطيرة، ويجب تقديمه للعدالة، وعليه دفع ثمن الفعل الجسيم الذي ارتكبه" هكذا عبر وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين عن الموقف الإسرائيلي. يقابل ذلك حملة تضامن واسعة انطلقت بين صفوف الشعبين الفلسطيني والأردني للمطالبة بالإفراج عن النائب العدوان في ضغط على الحكومة الأردنية للتحرك الدبلوماسي وتأمين إطلاق سراحه.

اعرف أكثر

التركية الشابة إبرو أوزكان كانت في زيارة للأراضي الفلسطينية عندما ألقت السلطات الإسرائيلية القبض عليها عام 2018، وحاكمتها عسكريا بتهمة "تهريب مبالغ مالية لحركات إرهابية".

على الرغم من ذلك، أفرجت الحكومة الإسرائيلية عنها بسرعة لتجنب أزمة دبلوماسية مع تركيا. وكذلك أفرجت السلطات الإسرائيلية عن ثلاثة مواطنين أتراك في عام 2017 بعد اعتقالهم بتهمة الاعتداء على رجال شرطة في القدس.

لذا، من الممكن نظرياً أن تقوم إسرائيل بالإفراج عن النائب الأردني بشروط معينة، كأن تقوم السلطات الأردنية بالتحقيق معه والتشديد على مراقبة حركة المسافرين من جانبها على جسر الملك حسين.

هذه الاحتمالية تعتمد على مدى قوة وتأثير الحكومة الأردنية في الضغط على حكومة نتنياهو الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، بحسب محللين إسرائيليين. كان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي رفض تلقي مكالمة من نظيره الإسرائيلي إيلي كوهين يوم الأحد كنوع من الاحتجاج على كيفية تعامل السلطات الإسرائيلية مع الحادث.

عندما كان المتهم إسرائيلياً

رئيس حكومة يستقبل فرد أمن متهم بقتل مدنيين استقبال الأبطال بالأحضان، هذا بالضبط ما حدث في عام 2017.

محمد الجواودة شاب أردني حديث السن عمره لم يتجاوز السابعة عشر، كان قد جاء لتركيب أثاث في شقة سكنية استأجرتها السفارة الإسرائيلية في عمان عندما نشبت مشاجرة بينه وبين رجل أمن السفارة زيف مويال. أطلق حينها مويال الرصاص على محمد فقتله وادعى بأنه حاول مهاجمته بمفك براغي، ثم استمر في إطلاق النار على مالك الشقة بشار الحمارنة، 45 عاما، فقتله، وأصاب سائق مركبة نقل الأثاث ماهر إبراهيم أثناء محاولته الفرار من المكان.

عندما طالبت الحكومة الأردنية التحقيق مع رجل الأمن، لجأ زيف للاختباء في مقر السفارة الإسرائيلية المحصن دبلوماسياً، وحشدت السلطات الإسرائيلية نفوذها على الفور لتأمين إجلائه.

رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو اتصل مباشرةً بملك الأردن عبد الله الثاني للسماح بعودة حارس الأمن. وتحت الضغوط المكثفة، تمكن طاقم السفارة من العودة لإسرائيل واستقبل نتنياهو زيف موال بالأحضان. في المقابل أزالت السلطات الإسرائيلية بوابات التفتيش الإلكترونية التي كانت قد وضعتها لتوها في حينه على أبواب المسجد الأقصى، بحسب مصادر يديعوت أحرونوت.

.. ولو كان إسرائيلياً؟

اثنا عشر شاباً إسرائيلياً اتهمتهم مراهقة بريطانية عام 2019 بالاعتداء الجنسي عليها واغتصابها في فندق بجزيرة قبرص ذات العلاقات الوثيقة مع إسرائيل. الفتاة كانت منهارة من هول ما مرت به لتوها، لكن صدمتها تضاعفت عندما أخبرتها السلطات القبرصية بأنه مقبوض عليها بتهمة البلاغ الكاذب. وحوكمت بالسجن مع إيقاف التنفيذ لمدة أربعة أشهر بينما عاد جميع الإسرائيليين بسلام لبلدهم تحت حماية وضغط الحكومة الإسرائيلية. بعد ثلاث سنوات، أعلنت السلطات القبرصية إعادة التحقيق في الحادثة عندما اتجهت الشابة لمحاكم الاتحاد الأوروبي عام 2022 لاتهام قبرص بالتستر على مجرمين وقلب الأدلة ضدها، بحسب تايمز أوف إسرائيل.

في عام 2022 أطلقت جماعة أوكرانية انفصالية موالية لروسيا، سراح ضابط إسرائيلي شارك في المعارك إلى جانب الجيش الأوكراني بضغط إسرائيلي مكثف، بحسب جيروزاليم بوست. وفي عام 2020 أفرجت الحكومة الروسية عن مواطنة إسرائيلية أمريكية متهمة بتهريب مخدرات تحت ضغط من رئيس الوزراء نتنياهو الذي استقبل الشابة في موسكو برفقة زوجته سارة. وفي عام 2019، أطلقت السلطات القبرصية سراح ثلاثة ضباط مخابرات إسرائيليين سابقين تم ضبطهم أثناء تجسسهم على مواطني الجزيرة الأوروبية.

في شهر نيسان الجاري، تم تهريب ضابط إسرائيلي سابق من جزيرة قبرص كان قد وُضع تحت الإقامة الجبرية قيد المحاكمة بتهمة الإتجار وتهريب الأسلحة للصين وليبيا وأصدرت الولايات المتحدة بحقه مذكرة اعتقال دولية.

ضغط قادم على الأردن

حتى إذا أفرجت إسرائيل عن النائب الأردني، فإن الحكومة ستتعرض لحملات ضغط قوية من جانب تل أبيب، بحسب محللين سياسيين. فإسرائيل طالما اتهمت المجموعات المسلحة في الضفة الغربية باستلام الذخيرة والسلاح عبر الأراضي الأردنية بشكل منتظم. كما ستعطي هذه الحادثة زخماً لمطالبة إسرائيل للحكومة الأردنية بتسليم الصحفية الفلسطينية أحلام التميمي التي تواجه اتهامات إسرائيلية بالضلوع في تفجير مطعم ماسبيرو في القدس عام 2001، وعاقبتها محكمة إسرائيلية بالسجن لـ1584 عام، قبل إطلاق سراحها عام 2011 في صفقة تبادل للأسرى.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة