سياسة
.
في ولاية كاليفورنيا سنة 2003، أصيب رجل في الأربعينيات من عمره بحمى وألم في الصدر والقدم، نُقل على إثر ذلك لغرفة العناية المركزة وخضع لفحوصات طبية مختلفة. أُخذت منه عينات وأُرسلت للمختبر الذي فحصها، لكن الرجل توفي بعد يومين تاركا طاقما طبياً مصاباً بالعدوى التي التقطها خلال رحلته إلى السلفادور. قصة هذا الرجل الأميركي مثال لكيف تنتقل الفيروسات بسرعة لتصيب الأطقم الطبية التي غالبا ما تكون مستعدة للتعامل مع الفيروسات. فما بالك حينما يكون مختبر بيولوجي تحت سيطرة مجموعة مسلحة كما هو الحال الآن في السودان.
بعد الكارثة العالمية التي تسبب فيها كوفيد- 19، حيث تشير تقارير عدة إلى أنه تسرب من مُختبر بالِغ التحصين في مدينة ووهان الصينية، يحبس العالم أنفاسه أمام انتشار فيروسي قد يشكل قنبلة بيولوجية وشيكة تتكون من الحصبة والكوليرا وشلل الأطفال.
حذرت منظمة الصحة العالمية من "مخاطر بيولوجية عالية" في المختبر الوطني للصحة العامة في العاصمة السودانية على إثر استيلاء مجموعة مسلحة، يُعتقد أنها مرتبطة بقوات الدعم السريع، عليه، ما يجعل المنشأة الحيوية عرضة للقصف.
تصريحات ممثل المنظمة الأممية في السودان، نعمة سعيد عابد، جاءت لتحذر المجتمع السوداني والدولي من الخطر الذي قد تسببه عينات أمراض الحصبة والكوليرا وشلل الأطفال وفيروسات أخرى. كما يشير التحذير إلى خطر انقطاع التيار الكهربائي الذي سيزيد من تعقيد إدارة المواد في المختبر بشكل آمن. هناك تخوف كذلك من فساد العينات البيولوجية ومن تلف أكياس الدم المخزنة.
لحد الساعة، لم يتعرض المُختبر إلى أي أعمال تخريب، لكن المجموعة المسلحة أجبرت الأطقم التقنية والطبية على المغادرة، حسب تصريح لمتحدث باسم وزارة الصحة السودانية. حتى لا تعبث أعضاء المجموعة المسلحة بمعدات المختبر، أبلغ الطاقم التقني والطبي المسلحين بما يحتويه المختبر من فيروسات وحذر من العبث بالمنشأة خصوصا الثلاجات التي قد تعرضهم، هم أنفسهم، لمشاكل صحية عند فتحها.
للمختبر الوطني للصحة العامة في الخرطوم وظائف متعددة، إذ يقدم فحوصات في معظم الأمراض الوبائية مثل مرض الكوليرا والحمى الصفراء، وحمى الضنك، وشلل الأطفال والحصبة. وفي ظل الترقب المصاحب بالقلق، يأمل المتحدث باسم وزارة الصحة السودانية أن يُخلي المسلحون موقع المختبر.
بينما تغلبت معظم دول العالم على أمراض فيروسية أو بكتيرية مثل الحصبة والكوليرا وشلل الأطفال، لا يزال السودان يعاني من الكثير منها.
شلل الأطفال: في العام 2022، انتشر الوباء في 15 من بين 18 ولاية بالسودان وأصاب 58 طفلا. لم تكد منظمة الصحة العالمية أن تعلن عن انتهاء الوباء في أغسطس 2022 حتى انتشر الوباء من جديد في نهاية نفس السنة. شلل الأطفال فيروس خطير يهاجم الجهاز العصبي ويؤدي إلى الشلل الدائم أو الموت ويستهدف الأطفال ما دون الخمس سنوات.
الحصبة: مرض آخر أصاب أطفال السودان، وهو فيروس يهاجم الجهاز التنفسي ثم ينتقل إلى باقي أعضاء الجسم. وصل العدد الإجمالي للمصابين في السودان سنة 2021 إلى أكثر من ١٦٠٠ حالة، وانتشر بين عدة ولايات من بينها نهر النيل، النيل الأبيض، إقليم دارفور، النيل الأزرق والخرطوم.
الكوليرا: في سبتمبر 2019 تم الإبلاغ عن إصابة 262 حالة و8 حالات وفاة في ولايتي النيل الأزرق وسنّار. توجد بكتيريا الكوليرا في الماء الملوث وتسبب إسهالاً و جفافا شديداً، حسب موقع مايو كلينك. تجاهل علاج هذا المرض البكتيري يؤدي إلى الموت في غضون ساعات حتى بالنسبة للأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة.
حمى الضنك: بدأت حمى الضنك بالانتشار بالسودان في أغسطس 2021 وأصابت أكثر من ١١٠٠ شخص في 7 ولايات، سجلت ولاية كسلا أكثر الحالات، بنحو 77%، تليها شمال دارفور بنسبة 13%، ثم شمال كردفان بـ 7.3% من إجمالي الحالات المصابة.
يقع المختبر الحساس بالقرب من وسط الخرطوم، ليس بعيدا عن المطار ومقر قيادة الجيش التي يدور حولها قتال عنيف. ويحذر مصدر طبي رفيع المستوى أن القتال بالقرب من هذا المعمل يستوجب "تدخلا دوليا عاجلا لإعادة الكهرباء وتأمين المختبر من أي مواجهة مسلحة، لأننا نواجه خطرًا بيولوجيا حقيقيًا".
تُعرف السودان كمقر لمختبرات الأمراض الاستوائية لأكثر من 100 عام، إذ أنشأ هنري ويلكوم، رجل أعمال في مجال صناعة الأدوية، مختبرات ويلكوم للبحوث الاستوائية في الخرطوم سنة 1903.
كانت وزارة الصحة بالسودان قد أعلنت سابقا عن توقف 36٪ من المستشفيات عن الخدمة، كما أن 25٪ لا تستطيع استقبال حالات الطوارئ.
يُعتقد أن حوادث تسرب الفيروسات من المختبرات نادرة، ولكنها تحدث على الأقل مرة كل سنة. في عام 2022، اكتشف تسرب لفيروس شلل الأطفال في مختبر للعلوم في أوترخت الهولندية أدى إلى إصابة موظف تم عزله إلى غاية شفائه.
في الولايات المتحدة تسربت بكتيريا تسبب أمراضا تنفسية خطيرة، من مختبر بالقرب من ولاية نيو أورلينز، في العام 2014، حيث يعتقد أنها كانت عالقة بملابس أحد الموظفين وأصابت عددا من الأشخاص.
في الإتحاد السوفياتي سابقا، تسرب فيروس الجمرة الخبيثة من مراكز بحث عسكرية بالقرب من مدينة يكاترينبورغ جنوب غربي روسيا في العام 1979 وأودت بحياة 66 شخصاً.
أدى التحذير الدولي من "قنبلة بيولوجية" إلى تعبير العديد من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي عن خشيتهم من كارثة فيروسية ثانية قد تعيد الناس مجدداً إلى أوضاع العيش في زمن كورونا. وقد اتهم البعض منظمة الصحة العالمية بالتقصير في السماح لمختبرات حيوية في "أوطان غير مستقرة."
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة