سياسة

الطلبة الفلسطينيون في السودان.. عالقون في صراع حماس- رام الله

نشر

.

Muhammad Shehada

معاذ كان متحمساً جداً للانتقال من غزة للسودان عام 2017 ليحقق حلمه بدراسة الطب. بعد سنتين من الكد والتعب في جامعة بحري في الخرطوم، أضرته الثورة الشعبية عام 2019 للانقطاع عن دراسته مؤقتاً والعودة لقطاع غزة. تحمس مرةً أخرى لرجوعه لمقاعد الدراسة وأوشك على التخرج وحصد ما زرعه من سنين طويلة من المثابرة حتى انطلقت شرارة المعارك الجارية بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع في منتصف شهر أبريل وفصلت بينه وبين الشهور القليلة المتبقية على إنهائه الدراسة.

هذه قصة عشرات الشباب الفلسطيني الذين عاشوا أحد أصعب أيام حياتهم في الأسابيع الأخيرة وسط الاقتتال الداخلي المحتدم. ما فاقم من مأساتهم كانت صعوبة طريق الخروج وانعدام اليقين إذا ما سيكون بإمكانهم العودة مرةً أخرى.

رحلة الإخلاء والعودة المضنية جاءت بعد العشرات من المناشدات وكيلٍ من الانتقادات للسفارة الفلسطينية في الخرطوم وصلت للاتهام بالتباطؤ في مساعدة الطلبة الغزيين العالقين في الولايات السودانية المختلفة مقارنة بفلسطينيي الضفة الغربية.

رحلة الإخلاء

"أبناؤنا عاشوا بدون ماء وبدون كهرباء لأكثر من أسبوع. عانوا أشد المعاناة بلا طعام" هكذا وصف غسان موسى وضع ابنه العالق في السودان في مناشدة عاجلة لإخلائه وتأمينه من خطر الموت الحتمي. "أبناؤنا كانوا تحت القصف. قبل 48 ساعة، تركوا المبنى الذي يقطنون فيه لولاية ثانية. خرجوا حوالي 270 كيلو. مشوا ساعتين على الأقدام. خرجوا الساعة الثالثة فجراً ووصلوا للمنطقة الساعة الواحدة ظهراً... أبناؤنا عندما أخلوا سكن الطلبة ومشوا ساعتين، وجدوا الجثث في الشوارع. الوضع صعب جداً".

يوم الجمعة صباحاً ترقب غسان بفارغ الصبر وصول ابنه محمد الطالب في السنة الأخيرة بكلية الطب عبر معبر رفح الحدودي في رحلة استغرقت نحو ثلاثة أيام من السفر البري. وتوافد العشرات من الأهالي للمعبر المصري لاحتضان أبنائهم البالغ عددهم حوالي 194-226 فلسطينياً قادماً من السودان.

يفيد بعض الطلبة بأن طريق الإجلاء نحو معبر أرقين الحدودي بين السودان ومصر كان مليئاً بالحواجز الأمنية ومشاهد الدمار والرصاص المتناثر والمباني المشتعلة. ما شاهده وعاشه الطلبة الفلسطينيون في السودان كان مختلفاً وصادماً عما رأوه في الحروب الإسرائيلية المختلفة على قطاع غزة بحسب وصف بعضهم.

كيف ذلك؟

ما أول فعل يمكنك القيام به إذا ما واجهتك مشكلة في بلد أجنبي أو تعرض ذاك البلد لمصاب جلل كزلزال أو حرب وأردت الخروج من البلد؟ في العادة، سيكون التوجه لسفارة بلدك أحد الخيارات الأولى. لكن تخيل إذا ما تم سؤالك عند توجهك للسفارة من أي مدينة أنت؟ وبناءً عليه أعطيت معاملةً تفضيليةً أو مُنِعَت عنك الخدمة؟ هذه هي الاتهامات التي وجهها الطلبة الفلسطينيون من غزة العالقين في السودان.

"بسبب المشاكل التي واجهناها في الطريق، خرجنا منذ الساعة الثانية صباحاً حتى نتمكن من الوصول الساعة الثامنة هنا. لم نتحرك إلا عندما صدر خطاب من السفارة، ونزل كشف بأسماء الطلاب. نحن الآن في الشارع... لا نجد مكان لنجلس فيه... اختبأنا في منطقة سكنية... فوق رؤوسنا طيران حربي، والقصف مستمر" هكذا عبر أحد الطلبة عن غضبه يوم الاثنين الماضي في مقطع تداوله الفلسطينيون على نطاق واسع. و أضاف بأن السفارة "حركت باصاً واحداً ]لفلسطينيي[ الضفة الغربية لميناء بورتسودان ومن ثم إلى جدة عن طريق البحر" بينما تخلت عنهم.

الصحفي الفلسطيني علاء المشهراوي ادعى بأن "الطلبة تم طردهم من حرم السفارة في الخرطوم ]بحجة إخلائها[. ثم مشوا نحو خمس كيلومترات حتى وصلوا منطقة آراك سيتي وهي منطقة الإخلاء ولم يجدوا أحداً." ما أبقاهم "بين السماء والطارق، لا يجدون ما يأكلون أو يشربون. بلا مأوى تحت خطر القصف" بحسب وصفه. مقاطع الفيديو التي نشرها طلبة فلسطينيون من مكان الإخلاء تدعم تلك الرواية بتواجد العشرات أمام مجمع سكني دون أن يكون هناك أي حافلات لنقلهم أو مساعدتهم.

معاملة تفضيلية

"لماذا الضفاوية استطعتم أن توفروا لهم باصات وأن توفروا لهم ميزانية، وفي المقابل أنا هنا لستم قادرين على أن توفروا لي الإجلاء فقط بسبب 4000 دولار ]تكلفة باصات نقل الطلبة الغزيين للحدود المصرية"، هكذا تساءل الطلبة العالقون بانتظار إخلائهم من المنطقة المستعرة بالقتال والاشتباكات العنيفة.

السفارة الفلسطينية كانت بالفعل قد أجلت في نفس اليوم بعضاً من رعاياها بحافلات اتجهت لميناء بورتسودان للجنوب الشرقي للبلاد، والذين تم نقلهم بحراً إلى السعودية، بينما انتظر فلسطينيو غزة نحو 24 ساعة إضافية لإخلائهم. وقد يكون السبب في ذلك لوجستياً لقرب طريق السفر عبر مصر لغزة وقلة التكلفة مقارنة بإجلائهم نحو السعودية ومن ثم الطيران لمصر ثم السفر براً لغزة. لكن على الرغم من اختلاف مسارات الإجلاء، تعرضت السفارة الفلسطينية للانتقاد لتأخر إجلاء بعض الفلسطينيين دون غيرهم.

وزارة الخارجية الفلسطينية قالت بأن التأخير في إجلاء فلسطينيي غزة كان "لظروف وأسباب قاهرة" وأنها أجرت "سلسلة اتصالات مكثفة مع شركات الحافلات" لنقل الطلبة. بينما أفاد السفير أحمد الديك، مستشار وزير الخارجية الفلسطيني بأن "السفارة أمنت الطلبة في مكان آمن بانتظار وصول الحافلات".

الدراسة في السودان

بعد أن أنهى خليل الثانوية العامة في غزة بمعدل ممتاز، واجهته بعض المعيقات لدراسة الطب في القطاع المحاصر. فمن جهة، القيود الإسرائيلية المفروضة على غزة والحروب المتتالية أنهكت القطاع الصحي لحافة الانهيار ومنعت وصول العديد من الأجهزة الطبية الضرورية للتعليم العملي. ومن جهة أخرى، فإن المعدل الدراسي المطلوب للقبول في كليات طب الجامعات المحلية هو أعلى من 95-96% والرسوم الدراسية باهظة وتتجاوز 6 آلاف دولار في العام الدراسي الواحد.

لذلك وجد خليل ضالته في جامعة القضارف في بورتسودان، حيث الرسوم الدراسية معقولة وإجراءات القبول أيسر وتأشيرة الدخول سهلة وغير مكلفة. وحصل أيضاً على تخفيض لنصف الرسوم الدراسية كونه فلسطينياً. ويقول خليل لبلينكس بأنه على الرغم من شدة الحرارة والرطوبة التي لم يكن معتاداً عليها في بادئ الأمر، إلا أنه أُعجب بالمناخ الدراسي العام والمنهاج وطرق التدريس، وتمكن من العثور على العديد من الأصدقاء الفلسطينيين هناك أثناء دراسته.

العشرات من الفلسطينيين يلتحقون سنوياً بكليات الطب والهندسة في مختلف أنحاء السودان كجامعات جاردن ستي والجزيرة والزعيم الأزهري في الخرطوم، وجامعة البطانة في ولاية الجزيرة وجامعة الغضارف في بورتسودان، وجامعة النيل الأزرق في الدمازين وغيرها. بالإضافة للالتحاق بكليات الشرطة السودانية. وتعتبر السودان أيضاً وجهة ذات شعبية للراغبين على الحصول بشهادات عليا لتمكنهم من الدراسة عن بعد.

بالإضافة للطلبة، هناك أيضاً العشرات من العائلات الفلسطينية في السودان ومن تربطهم صلات بالبلد كالعمل والتجارة والزواج، ومنهم من حصلوا على الجنسية السودانية، وبعضهم آثر البقاء هناك ولم يتم إجلاؤهم بعد.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة