سياسة
.
في تمام الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، هرع العشرات من الفلسطينيين في غزة من فراشهم للشارع خوفاً من هول الضربات الجوية الإسرائيلية المتتالية على مناطق متفرقة من القطاع، والتي شاركت فيها 40 طائرة حربية.
حصيلة القصف الإسرائيلي كانت 13 فلسطينياً منهم ثلاثة من قيادات المجلس العسكري لتنظيم الجهاد الإسلامي وأربعة أطفال وخمسة نساء وطبيب مدني.
استيقظ الفلسطينيون على مشاهد الطفلة ميرال ابنة الطبيب جمال خصوان وهي تبكي بحرقة في سيارة إسعاف بعد أن قتلت إسرائيل والداها وأختها الكبرى في إحدى الغارات.
هذه اللقطة بالإضافة لصور الأطفال والنساء التسعة الذين قضوا في القصف الإسرائيلي تؤجج احتمالية توجيه الفصائل الفلسطينية ضربات انتقامية كبيرة ما قد يؤدي إلى تصعيد شامل أو حتى اجتياح إسرائيلي عسكري بري وحرب مطولة. خاصةً في ظل وجود أكثر حكومة يمينية متطرفة في تاريخ إسرائيل في سدة الحكم والتي تضم دعاة حسم الصراع مع الفلسطينيين عبر توجيه ضربات قاضية لتحطيم عزيمتهم.
وتعد هذه أكبر عملية تصعيد منذ عملية "بزوغ الفجر" في شهر أغسطس من العام الماضي والتي استهدفت فيها إسرائيل قيادات مهمة في حركة الجهاد الإسلامي ما أدى لتصعيد استمر لثلاثة أيام.
الجيش الإسرائيلي ادعى بأن القيادات المستهدفة شاركت في عمليات مختلفة ضد أهداف إسرائيلية منها توجيه هجمات مسلحة في الضفة الغربية المحتلة وإطلاق صواريخ محلية الصنع ضد إسرائيل من قطاع غزة المحاصر وأنها مولت عناصر الجهاد في الضفة.
وأعلن الجيش استهدافه أيضاً للعديد من ورش تصنيع وتخزين الأسلحة التابعة للسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد، وأطلق اسم "السهم والدرع" على العملية العسكرية التي قد تستمر لأيام.
تأتي العملية رداً على إطلاق سرايا القدس نحو 100 صاروخ محلي الصنع على المدن الإسرائيلية المحيطة بغزة انتقاماً لموت الأسير خضر عدنان في السجون الإسرائيلية، بعدما رفضت السلطات الإسرائيلية تحويله لتلقي العلاج في مستشفى مدني بعد 87 يوماً من الاضراب عن الطعام.
ونعت حركة الجهاد الإسلامي قياداتها الثلاثة الذين شغلوا مناصب عسكرية حساسة في التنظيم، وهم: جهاد غنام أمين سر سرايا القدس وقائد لواءها الجنوبي، واتهمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنقل الأموال والسلاح بين حماس والجهاد وقامت باغتياله في منزله برفح برفقة زوجته.
وصلاح البهتيني قائد لواء الشمال في سرايا القدس والمسؤول عن إطلاق الصواريخ الأخيرة على إسرائيل، واغتالته إسرائيل مع زوجته وأطفاله بغارة جوية على منزله في غزة.
بالإضافة لطارق عز الدين الأسير السابق الذي أبعدته إسرائيل من الضفة لغزة وأصبح المتحدث الرسمي لحركة الجهاد، وتتهمه إسرائيل بنقل الأموال والسلاح لعناصر سرايا القدس في الضفة وتوجيه العمليات.
"قمنا بعملية خداع ضد الجهاد الإسلامي، حيث تم الهجوم الجوي المعقد جداً في قلب الأماكن السكنية"، هكذا ادعى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي العميد دانيل هجاري. المصادر الأمنية الإسرائيلية تدعي بأن الجيش كان يقوم بمراقبة القيادات المستهدفة في غزة على مدار أسابيع وأنهم كانوا على صلة بعمليات إطلاق نار حدثت في رمضان ضد إسرائيل، وتدعي هذه المصادر بأن إسرائيل اقتنصت الفرصة المناسبة لتصيدهم واستهدافهم خاصة بعد إطلاق الصواريخ الأخير في نهاية شهر أبريل.
لكن السبب الخفي للعملية العسكرية بحسب محللين إسرائيليين بارزين كان إنقاذ حكومة نتنياهو من التفكك والانهيار وإرضاء تيار اليمين المتطرف الذي يقوده وزير الأمن إيتمار بن غفير، المدان بجرائم تحريض عنصري ودعم منظمة إرهابية. بالإضافة لإحراج وكسب تأييد قيادات المعارضة للعملية العسكرية بدواعي استعادة الردع وحفظ الأمن، وامتصاص غضب الاحتجاجات الإسرائيلية المناهضة للحكومة والتي تتهمها بالفشل في تحقيق الأمان.
الوزير بن غفير كان قد أعلن مقاطعاته لجلسات الحكومة الأسبوع الماضي احتجاجاً على عدم توجيهها ضربة قوية ضد الفصائل الفلسطينية المسلحة وعدم قصف غزة بشكل كبير بعد إطلاق الصواريخ منها أو العودة لسياسة الاغتيالات.
لكن الأمور عادت لمجاريها بعد العملية العسكرية القائمة على قطاع غزة، حيث أعلن بن غفير يوم الثلاثاء انتهاء الأزمة واستئنافه لمهامه الرسمية في الإتلاف الحاكم.
"لقد أوقفنا إضراباتنا في الوقت الحالي. طائراتنا في الجو جاهزة للرد على أي تهديد" هكذا أعلن العقيد ريتشاد هيشت المتحدث الدولي باسم الجيش الإسرائيلي صباح يوم الثلاثاء بعد تنفيذ الغارات الجوية. بينما قال العميد هجاري بأن العملية حققت أهدافها.
حركتا حماس والجهاد الإسلامي توعدتا إسرائيل بالرد في تصريحات منفصلة حيث قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بأن "العدو أخطأ تقديراته وسيدفع ثمن جريمته"، بينما حذرت حركة الجهاد قائلةً بأن "جميع خيارات المقاومة مفتوحة". وسيعتمد مدى التصعيد ومدته على قوة الضربة الانتقامية التي ستوجهها الحركتان لإسرائيل.
وتتوقع المنظومة الأمنية الإسرائيلية رداً يستهدف تل أبيب نظراً لقوة الضربات الموجة لغزة. لذلك فتحت الحكومة الإسرائيلية الملاجئ والمخابئ في البلدات المحاذية لقطاع غزة وفي نطاق بلدات الوسط وتل أبيب.
إسرائيل تسعى لتحييد حركة حماس حتى اللحظة وتحرص على عدم انضمامها للمعركة حيث امتنع الجيش الإسرائيلي عن استهداف أي مرافق أو قيادات تابعة للحركة. وذلك للإبقاء على التصعيد في غزة مقتصراً على حركة الجهاد الإسلامي وبالتالي تسهيل احتواءه وإنهاء العملية العسكرية في فترة قصيرة والعودة لتفاهمات الهدنة.
وأوصلت إسرائيل رسائل لحماس عبر وسطاء مفادها أن التصعيد لا يستهدفها وأن إسرائيل لن تقوم بمهاجمتها إذا التزمت الحياد.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة