"ترحيل غير مباشر" للسوريين في الانتخابات التركية

في أكتوبر من العام الماضي سجّل الاقتصاد التركي معدلات تضخم وصلت ٨٥٪ ومع تزايد الضغوطات الاقتصادية بات الداخل التركي أقل تصالحًا مع الضيوف الجدد، فيما يرى محللون أن الوجود السوري في تركيا يمنحها بعض المزايا الاقتصادية، مثل توافر العمالة الرخيصة، خاصة في قطاعات النسيج والبناء.

قبل أشهر واجهت تركيا أزمة أخرى ألقت بظلالها على قضية اللاجئين، إذ أودى زلزال مدمر جنوب شرقي البلاد بحياة نحو ٥٠ ألف شخص، وشرد ملايين آخرين ما أسفر عن نقص في الملاجئ والمنازل المعدة لاستقبال المتضررين، وزاد الرغبة المحلية في التخلص من عبء اللاجئين.

من بين ملايين السوريين في تركيا، حصل 230 ألف منهم على الجنسية التركية وذلك عبر طريقتين فقط، إما التسجيل للدراسة في مجال منشود في السوق التركية كهندسة الكهرباء، أو استثمار مبالغ مالية كبيرة محليًا.

بالرغم من وعد ترحيل اللاجئين خلال عامين الذي يبثه مرشح حزب الشعب الجمهوري، يعتقد محللون أن عملية الترحيل الجماعية لملايين السوريين غير واقعية ويعلق في هذا السياق، الباحث في مركز أبحاث TEPAV بأنقرة، عمر كادكوي يقول إنه "حتى مع انتهاء الحرب في سوريا، ما يزال علينا ضمانة أمنهم لحظيًا، فالاختفاء والاضطهاد وعمليات الخطف مستمرة".

يحاول مسؤولو حزب الشعب الجمهوري بث رسائل طمأنة للسوريين المذعورين في الداخل، مثلما فعل رئيس الحزب في أحد المقاطعات المحلية، خليل باروت الذي وصف السوريين بـ "الأخوة"، قائلاً في تصريحات "أهم ما يعنينا هو أمنهم، لا يمكننا الزج بهم في النيران أو إرسالهم للحرب مرة أخرى".

في الوقت ذاته وصف باروت تجربة الوجود السوري في تركيا قائلًا "بمجرد وصولهم ارتفعت أسعار المنازل والقيم الإيجارية، لقد تضررنا من الأمر".

بحسب تحليل الباحث جوشوا ليفكويتز في معهد واشنطن صرحت أيضًا الرئيس الإقليمي لحزب الشعب في إسطنبول، كانان كفتانجي أوغلو، مستبعدة عمليات ترحيل واسعة النطاق، قائلة إنه "من غير الواقعي إرسال كل هؤلاء الأشخاص إلى بلادهم في إطار القانون الدولي".

على الجهة الأخرى، يعتقد لاجئون سوريون أن فوز المعارضة التركية قد لا يعني الترحيل مباشرة إلى خارج البلاد، بل ربما تضييق الخناق عليهم تدريجيًا سعيًا لدفعهم إلى الرحيل بشكل منفرد.

في مدينة بولو التركية على سبيل المثال، أقدم المحافظ التابع لحزب الشعب الجمهوري على وقف الدعم الاجتماعي المقدم للاجئين ومطالبتهم بفواتير استهلاك المياه بعد زيادة مقدارها ١١ ضعفا، كما ضاعف من قيمة ضريبة تسجيل الزواج.

وفق تحليل ليفكويتز، من الممكن النظر إلى الطموحات المذكورة في حملة المعارضة التركية كمحاولة لإعادة فتح مساحة التفاوض مع الدول الأوروبية وانتزاع المزايا منها، خاصة وأن كمال كليجدار أوغلو، وعد بمنح مواطني دولته تأشيرة مجانية للاتحاد الأوروبي بمجرد وصوله لكرسي الرئاسة.

أمام الضغوط والانتقادات الموجهة إليه، يسعى أردوغان لتطبيق سياسات متباينة تمامًا تجاه قضية اللاجئين السوريين، فعلى سبيل المثال بدأت حكومته في تشييد آلاف المباني من الطوب وذلك في المناطق الواقعة تحت سيطرتها في الشمال السوري، تشجيعا لعودة السوريين إلى بلادهم طوعاً، إضافة إلى محاولة ترميم العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، لضمان عودة اللاجئين بأمان.

وفقًا لتحليل جوشوا ليفكويتز، تعد قرارات أردوغان المتعلقة بالهجرة من بين أبرز أسباب تراجع شعبيته، ويشرح الباحث أن القرارات بدأت إنسانية بالفعل ثم تحولت دوافعها إلى السياسة، ففي العام ٢٠١٦ استخدم أردوغان اللاجئين للضغط على الاتحاد الأوروبي لاسيما ألمانيا والحصول على صفقة بقيمة 6.6 مليار دولار.

بموجب تلك الصفقة حصل أردوغان على تعويض عن استقبال المهاجرين الذين كانوا يحاولون ذلك الوصول لليونان وباقي دول الاتحاد.