سياسة
.
بدلاً من أن يتوجّه سامر، الجندي في الجيش اللّبنانيّ، إلى ثكنته العسكريّة متسلّحًا بشعار مؤسّسته "شرف، تضحية، وفاء"، قادته الأزمة الماليّة التي تخيّم على بيروت منذ ٢٠١٩، إلى العمل كميكانيكي علّه يؤمّن مبلغا متواضعًا يسدُّ فيه احتياجاته اليوميّة. ويتفشّى استياء عارم بين أفراد الجيش اللّبنانيّ مع تفاقم الأزمة الاقتصاديّة التي عجز فيها أو امتنع المسؤولون السياسيون عن حلّها، في وقت خسرت العملة الوطنيّة أكثر من 90٪ من قيمتها أمام الدولار، ما جعل رواتب غالبيّة الجنود تقلُّ عن ١٠٠ دولار شهريًّا، عوامل دفعت عددا كبيرا من العسكريين إلى تأمين وظائف إضافيّة، بينما فضل آلاف آخرون وبكل بساطة التخلّي عن خدمتهم.
“
المؤسسة العسكرية تعلم بأننا نعمل.. لكنها تغض النظر
“
ومع استفحال الأزمة المعيشيّة، بات راتب الجندي العادي يعادل ما هو أقل من ١٠٠ دولار مقارنة بنحو 800 دولار قبل بدء الأزمة في صيف 2019، وأُرغِمت قيادة الجيش منذ عامين إلى سحب اللحوم من وجبات العسكريين، قبل أن تعتمد تقشفًا غير مسبوق في موازنتها.
يروى سامر، 28 عاما، الذي طلب استخدام اسم مستعار "تعرف المؤسّسة العسكريّة أنّنا نعمل، لكنّها تغضّ النظر، لأنّ العسكريّ لم يعد قادرًا على التحمّل".
يشكو سامر في سياق حديثه، من تدنّي قيمة راتبه، موضّحًا "كان راتبي يساوي 800 دولار قبل الأزمة، اليوم أحصل على مئة دولار فقط"، مع الزيادات المؤقتة والتدابير التي أُقرّت لدعم الرواتب.
بمرارة، يروى العسكري، أنّه "مع نهاية الشهر، لا يبقى معه حتى مئة ألف ليرة (أقل من نصف دولار).
خلال الأسبوع، يمضي سامر 3 أيّام في خدمته العسكريّة، بينما يعمل 3 أيّام أخرى في الورشة. مع ذلك، فإنّ مدخوله "أقلّ ممّا يكفي لتأمين المأكل والمشرب والحليب".
الحال نفسها عند أحمد، 29 عامًا، وهو اسم مستعار، أمضى 10 سنوات "نشأت على حبّ البزة العسكرية. ما زلت أحبها، لكننا اختنقنا".
يسهب الشاب حديثه "تركتُ الجيش لأنّني وجدت أن ما من أمل في البقاء"، مضيفًا "شعرت وكأنني أعيش في الحضيض. لم يتحسن حالي إلّا حين فررت".
يقول " كان راتبي لا يتجاوز عتبة ٥٠ دولارًا قبل عام ونصف العام، أتقاضى اليوم 450 دولارا من عملي كنادل".
تختلفُ المجالات التي يعمل فيها الجنود كالمطاعم والأفران والزراعة وتصفيف الشعر وقيادة سيارات الأجرة والبناء وحتى كعناصر أمن خاص.
أمّا قيمة راتب إيلي، 37 عامًا، العنصر في قوى الأمن الداخلي والوالد لثلاثة أطفال، لا تتجاوز اليوم عتبة 50 دولارًا،، فما كان منه إلّا أن انضمّ إلى والده لمساعدته في أعمال الزراعة، لتوفير مدخول إضافي وإن كان قليلاً.
يعتبر إيلي أنّ "أسوأ ما في الأمر أنه لم يعد هناك من طبابة، فإذا كسرت رجلي أثناء دوامي، عليّ اتحمّل كلفة العلاج".
تعليقًا على ذلك، يقول مصدر أمني لوكالة فرانس برس، "تغضّ قوى الأمن الداخلي نظرها عن قيام أفرادها بوظائف جانبية، لأن ما من حلول أخرى، فالدولة غير قادرة على تحسين رواتبهم وكل الأعباء حتى أقساط المدارس باتت بالدولار".
يشرح المصدر "نحاول مساعدتهم قدر الإمكان، لكن حتى المئة دولار التي تقدمها الولايات المتحدة غير كافية في ظل الوضع القائم".
في يناير الفائت، أعلنت الولايات المتحدة وبالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقديم مساعدة مؤقتة بقيمة 72 مليون دولار لدعم رواتب الجيش وقوى الأمن الداخلي في لبنان لمدّة ٦ أشهر.
على وقع الأزمة الاقتصاديّة التي يشهدها لبنان منذ خريف 2019، ويصنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، تواجه المؤسّسة العسكريّة اللّبنانيّة، صعوبات عدّة تتعلّق لتأمين حاجاتها الأساسيّة من غذاء وأدوية وصيانة عتاد.
وخلال الأعوام الماضية، سجّلت القوى الأمنيّة والجيش فرار المئات من عناصرها، فيما التحق عدد كبير بوظائف أخرى إلى جانب خدمتهم.
وفي صيف 2021، أطلق الجيش اللبناني رحلات جوّ مخصّصة للمدنيين للتجوّل فوق لبنان مقابل بدل مادي. ويبلغ عديد الجيش اللبناني 74 ألفًا، مع العلم أنّ في عام 2017 اتُّخذ قرار بوقف التوظيفات في القطاع العام.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة