سياسة

السيسي يعرض حكم مصر على رئيسة الحكومة الدنماركية.. الرد جاء على ورقة

نشر

.

Muhammad Shehada

مأدبة عشاء رسمية على رأسها رئيس مصر ورئيسة وزراء الدنمارك، لكن الرئيس المصري يقرر "تمرين" رئيسة الوزراء بطلب بدا غريبا: تخيلي نفسك رئيسة مصر وتعاملي مع مشاكلها.

كان العشاء خلال قمة الاتحادين الأفريقي والأوروبي في بروكسل، فبراير ٢٠٢٢، ورئيس مصر عبد الفتاح السيسي يقاطعه توافد رؤساء الدول لإلقاء التحية، وهو جالس إلى طاولة رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن بدعوة مباشرة منها بالانضمام إلى مجلسها.

"أنتِ أوروبية، لذلك سيكون لديك الكثير من الأسئلة، على سبيل المثال حقوق الإنسان. مرحبا بك، لكن أولاً أريد أن أعطيك هذا التمرين: لديك 100 مليون نسمة، وفي كل عام يولد نحو مليونين أو ثلاثة ملايين طفل يحتاجون إلى مدارس ونظام صحي وأطباء أسنان".

استكمل السيسي سؤال الاختبار "جغرافيا البلاد تتكون من 95٪ صحراء ونحو 5٪ فقط يمكن زراعتها وهي أراض متركزة حول نهر النيل، لكن مصر تواجه تحديات في أمن النيل المائي مع إثيوبيا، والتي تعمل على سد أجزاء من النهر. وفوق ذلك، تحتاج مصر لمعالجة الهجرة الشرعية وغير الشرعية". ثم جاء السؤال الذي رآه السيسي صعبا "كيف ستتعاملين مع هذه المهمة؟"، مع طلب أن تتخيل متّه نفسها رئيسة مصر.

كانت رئيسة الوزراء تكشف ما حدث بنفسها للصحفي الدنماركي كاسبر لوفكفيست، وهما جالسان في البار الخارجي لفندق ماريوت بمنطقة الزمالك نحو الساعة التاسعة مساء، وبينهما مشروبات باردة ورقائق الشيبس والزيتون والمكسرات على الطاولة، يحرسهما من بعيد رجال أمن مصريين.

كيف ترى الدنمارك حكم مصر؟

"في بعض الأحيان يكون من المثير بشكل مذهل أن تقابل شخصا لديه منظور مختلف تماماً عنك. نحن الأوروبيون نتبنى اعتقادا مفاده أنه إذا فعل الآخرون كما نفعل، فمن المحتمل أن تسير الأمور على ما يرام. لكننا ننسى إدراك حجم الاختلافات الكبيرة للغاية في الظروف"، هكذا استرسلت متّه في حديثها للصحافي الدنماركي الذي نشر وقائع ما حدث في مقال طويل لصحيفة زيتلاند الدنماركية.

لكن كيف استقبلت ميته فريدريكسن تمرين السيسي؟ تقول "بدأت أضحك بشكل عفوي، وقلت له لا تستطيع فعل ذلك بي".

سحر القلوب بالطاقة الخضراء

"هجوم لسحر القلوب"، Charm offensive، هو الوصف الذي أطلقته الصحافة الدنماركية على رحلة فريدريكسن لمصر. مكتب رئيسة الوزراء قال بأن الزيارة تتعلق بالطاقة الخضراء النظيفة، وتغير المناخ، والمهاجرين، والحرب الروسية.

تود الدنمارك التسويق لنفسها كدولة ريادية في مجال التكنولوجيا الخضراء خاصة في جانب استغلال الطاقة الشمسية والرياح لتوليد الطاقة، لذا تحاول تسويق منتجاتها ومعرفتها لمصر بعد استضافة مؤتمر المناخ COP27 نهاية العام الماضي.

أبدت الشركات الدنماركية كشركة ميرسك العملاقة اهتماماً بإمكانية جعل مصر موطناً لإنتاج الهيدروجين كمصدر طاقة نظيف لسفن الشحن، وأن تكون قناة السويس موقعا استراتيجيا لتزويد السفن بالوقود النظيف، وهو ما دفع ميرسك للدخول في اتفاقية مع مصر العام الماضي لبحث الموضوع بشكل أعمق.

ترى الحكومة الدنماركية بأن الدول الأفريقية ذات الثقل الكبير جرى تهميشها خلال وباء كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، لذلك جاءت الزيارة كمحاولة لكسب ود الحكومة المصرية وتقريبها من المحور الغربي، خاصة في ظل تنامي قوة العلاقات المصرية الروسية.

.. راكبو قوارب "المتوسط" تحت المجهر

هدف آخر للحب الدنماركي المفاجئ لمصر، يتعلق بملف الهجرة غير النظامية لأوروبا عبر البحر كأحد أكثر الملفات أولوية لدى الحكومة الدنماركية التي تتبنى سياسة صفر لجوء، بعد وعدها تغيير منظومة اللجوء بشكل كامل بحيث يتم طرد أي طالب لجوء جديد إلى رواندا وسط أفريقيا ليتم دراسة طلباتهم وإعطائهم الإقامة هناك بدلاً من أوروبا.

لهذا ترغب الحكومة الدنماركية تسويق العلاقة القوية مع مصر كانتصار للسياسات الداخلية التي صوّت من أجلها الناخب الدنماركي.

مطبات مصرية عنيفة

يحكي الصحفي الدنماركي عن الموكب الفاخر في شوارع مصر ذهابا إلى القصر الجمهوري لحضور المؤتمر الصحفي المشترك "الطريق فارغ وواسع بعد إغلاقه في وجه المشاة والمركبات الأخرى ليمر الموكب الدنماركي، لكنه مليء بالمطبات"، مضيفا "إذا قضيت يوماً في القاهرة مع موكب السيارات، ستشعر أن جميع أعضائك الداخلية قد تبدلت أماكنها على طول الطريق".

في غرفة مغلقة من القصر كان السيسي ومته في اجتماع مشترك، خرجا بعده ليؤكد السيسي على أهمية ملف الهجرة والطاقة الخضراء "منذ سبتمبر 2016 لم يخرج قارب واحد أو مواطن واحد عبر الحدود البحرية أو البرية لمصر إلى أوروبا. وهذا التزام إنساني ملزم لمصر التي تستضيف 6 ملايين لاجئ دون أن تتلقى، ولا تحاول المزايدة لتتلقى دعما مقابل هذه الاستضافة".

هذا ما كشفه مؤتمر ما بعد الاجتماع المغلق، لكن ماذا عن لقاء السيسي ومتّه الأول، وماذا عن "التمرين"؟

تحكي رئيسة الحكومة للصحافي الدنماركي أنها تذكّرت الللقاء الأول مع السيسي على مأدبة عشاء بروكسل قبل مغادرتها قصر الاتحادية الرئاسي. تقول "فكرت مرةً أخرى في المهمة التي كلفني بها (افتراضيا) السيسي".

كتبت متّه الرد على ورقة وقدمتها قبل المغادرة قالت فيها "ما زلت لم أجد إجابة على سؤالك الذي طرحته عليّ منذ أكثر من عام".

عند العودة للفندق، وبين القهوة والمياه الفوارة وحبوب الصداع في البار سأل الصحفي كاسبر رئيسة حكومته "أكان يوما صعبا؟" لتجيبه فوراً "لا. كان يومًا جيدًا. كان يومًا ممتعًا يؤكد لماذا يتعين علينا، نحن الأوروبيين، أن نتواصل أكثر مع ما يسمى الآن بالجنوب العالمي".

في اليوم التالي، ارتدت فردريكسن النظارات الشمسية وقميصا ملونا بعد انتهاء الزيارة الرسمية، وذهبت للأهرامات محاطة برجال الأمن المصريين قبل رحلة العودة على متن الطائرة شالنجر الملكية لكوبنهاجن.

التقط لها أحد المرافقين صورة بهاتف جوال لتبدو عفوية بعد أن اعتلت أولى أحجار الهرم الأكبر، ونشرتها على حسابها على الانستغرام الذي يتابعه نحو 330 ألف شخص مرفقة بالعبارة "أنا أحب التاريخ، وبالتالي فهي أيضًا تجربة رائعة لزيارة الأهرامات هنا في مصر. من الصعب ألا يصدم المرء بمدى روعتها. اعتقد أن الإنسان قد بنى شيئا عظيما وفريدا في ماضينا البعيد".

الرعب من الشباب الأفريقي

في قاعة مبنى الماسة السوداء في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، رئيسة الوزراء مته فريدريكسن جلست بجوار روبيرتا ميتسولا رئيسة البرلمان الأوروبي المالطية في حوار ودي نهاية شهر أبريل الماضي عن حال العالم اليوم.

"العالم تغير بعد الاجتياح الروسي ولا عودة من ذلك، أوكرانيا يجب أن تنتصر. علينا مساندتهم مهما كلف الأمر أو مهما طال" بدأت فريدريكسن كلامها بهذه الجمل الاعتيادية. ثم أشادت بتقليل الاعتماد الأوروبي على روسيا في مجال الطاقة "لكن ذلك لا يعني أنه يجب أن نصبح معتمدين على الصين. يجب أن ننوع مصادرنا، وأن نعير انتباهنا للجنوب العالمي كالهند وأفريقيا".

رئيسة الوزراء الحاصلة على شهادة بكالوريوس في الدراسات الأفريقية من جامعة كوبنهاجن أضافت "لقد أظهرنا قوة الاتحاد الأوروبي خلال كورونا، وأظهرناها كذلك في الطريقة التي تعاملنا بها مع الحرب وأزمة الطاقة والتضخم. الآن يجب أن نظهر ذلك في الهجرة. يجب علينا تأمين الحدود الخارجية والوصول إلى دول شمال إفريقيا. على وجه الخصوص الهجرة. إذا سألتني، هي أهم مشكلة ملموسة لأوروبا في الوقت الحالي. لا يمكن حلها إلا إذا تعاونا مع الدول الأفريقية".

من هنا ترى فريدركسين أهمية استراتيجية كبيرة في مصر كأكثر دول الشمال الأفريقي وزنا كشريك لمنع توافد المهاجرين الأفارقة لأوروبا.

خوف مته من الهجرة المتزايدة لأوروبا سببه أنه "في أوروبا، لدينا عدد أقل من الناس ونحن نتقدم في السن. بينما متوسط عمر سكان أفريقيا يزيد شبابا، والنمو الاقتصادي لا يخلق مساحة للتحدي الديموغرافي"، كما وضحت للصحفي كاسبر في فندق ماريوت في الزمالك. فالخوف من التغير الديمغرافي في أوروبا ونقص نسبة السكان من ذوي البشرة البيضاء تبدو هاجساً لمناهضي الهجرة، خاصة من الدول العربية والأفريقية والإسلامية.

تتعرض الدنمارك ودول الاتحاد الأوروبي لانتقادات عنيفة بالتمييز العنصري وازدواجية المعايير والانتقاء في ملف الهجرة، فبينما تسعى الحكومة الدنماركية بشكل حثيث لإغلاق وتأمين الحدود الخارجية وصد طالبي اللجوء دول العالم الجنوبي وتخطط لطردهم لمعسكرات هجرة في رواندا، استقبلت الدنمارك نحو ٣٠ ألف لاجئ أوكراني جميعهم حصلوا على الإقامة بشكل فوري دون معوقات أو سوء معاملة أو تذمر.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة