سياسة
.
ما أن طلع الصبح على قبة الصخرة الذهبية في مدينة القدس القديمة، حتى توافد عشرات الإسرائيليون عند باب المغاربة يترأسهم الحاخام المتطرف يهودا غليك المنادي ببناء الهيكل مكان المسجد الأقصى. وفي تمام الساعة السابعة صباحاً، فتح ضباط الشرطة الحدودية الإسرائيلية "الماجاف" البوابة لدخول الجموع الإسرائيلية بعد أن أفرغوا المسجد القبلي من المصلين والمرابطين فيه. تعتبر هذه أولى فعاليات يوم مسيرة الأعلام السنوية لتخليد الذكرى السادسة والخمسون لاحتلال إسرائيل القدس الشرقية وضمها بشكل غير قانوني لتصبح القدس موحدة "عاصمتها الأبدية".
المسيرة الأعلام تستفز مشاعر الفلسطينيين بشكل كبير في كل مرة، حيث "يسير فيها عشرات الآلاف من المراهقين، جميعهم تقريبًا من الحركة الصهيونية الدينية، عبر أزقة الحي الإسلامي في المدينة القديمة" بحسب وصف صحيفة هآرتس الإسرائيلية، التي أضافت بأن مسيرة الأعلام "وللأسف بما فيها من مظاهر العنصرية والكراهية والعنف تعكس بدقة المجتمع الإسرائيلي اليوم، ليس فقط في القدس وليس في يوم القدس فقط".
عادةً ما يبادر ألاف المتطرفين من المشاركين في المسيرة للرقص على أغاني وشعارات تحريضية "كالموت للعرب" و"محمد مات" و"النكبة الثانية قادمة". وقد أشعلت هذه المسيرة عام 2021 فتيل الحرب في غزة، لذلك يبادر الجيش الإسرائيلي منذ ذلك الحين على نصب القبة الحديدة المضادة للصواريخ وإعلان حالة استنفار أمني في كل مرة تنطلق فيها مسيرة الأعلام.
المسيرة تعطل حياة الفلسطينيين المقدسيين بشكل كامل وتدفعهم لإغلاق محلاتهم وبيوتهم والالتزام بالبقاء في منازلهم تجنباً لعنف المستوطنين الذي وصل أوجه العام الماضي.
أما من يخرجون للشارع، فهم معرضون للمضايقات والتحرش وقد يصل الأمر للضرب أو الاعتقال، خاصة إذما قام أي شخص برفع العلم الفلسطيني. علاوة على ذلك، يسعى الكنيست الإسرائيلي لتمرير قانون يعاقب من يرفع العلم الفلسطيني بالحبس لمدة عام.
الحاخام المتطرف تسفي يهودا كوك، بدأ هذا التقليد السنوي بعد عام من احتلال القدس الشرقية. حيث سار وأتباعه في مدرسة يشيفا ميركاز هراف إلى حائط المبكى عبر طريق يافا في مسير ليلي تخلله الغناء والرقص. الحاخام كوك كان صديقاً مقرباً من عضو الكنيست العنصري السابق مائير كاهانا الذي دعا لطرد الفلسطينيين والعرب ونعتهم بالكلاب وأسس حركة كاخ الإرهابية. وكان تصور الحاخام المتطرف عن المسيرة هو تأكيد وحدة القدس كاملة وعدم التفريق فيها وتأكيد السيادة على حائط البراق المعروف إسرائيلياً بحائط "المبكى".
وفي وقت لاحق، تقرر نقل المسيرة إلى النهار للسماح لجلب عدد أكبر من المشاركين، وأصبحت تقليداً قومياً تشارك في تمويله بلدية القدس ووزارة التربية والتعليم وجمعية إعادة تأهيل وتطوير الحي اليهودي بتكلفة تفوق مليون شيكل. ويرأس المسيرة عادةً كبار الحاخامات ويحضرها الوزراء ونواب الكنيست اليمينيون.
خلال العرض، يسير عادةً حاملو العلم الإسرائيلي في شوارع المدينة، برفقة فرق أوركسترا متحركة على متن شاحنات تعزف الأغاني الحسيدية الدينية. وفي عدة نقاط على طول الطريق، يتم إنشاء منصات ثابتة ليؤدي فيها بعض الفنانين عروضهم.
تستقطب المسيرة اليوم أعضاء الصهيونية الدينية كالغالبية العظمى من المشاركين. وعادةً ما تبدأ المسيرة من وسط القدس، من حديقة الاستقلال أو حديقة ساشر، ثم تستمر شرقاً باتجاه طريق يافا، عبر ساحة الصفرا، إلى ساحة "الجيش الإسرائيلي"، وتمر المسيرة عبر البلدة القديمة والأحياء العربية فيها وقد يختلف مسارها في هذه المنطقة وفقاً لخريطة تعدها الشرطة الإسرائيلية. وفي السنوات الأخيرة، كان يتم فصل المشاركين حسب الجنس لتسير النساء إما أمام أو خلف الرجال في المسيرة.
"جوهر مسيرة العلم هو وخز إصبع في عيون سكان المدينة الفلسطينيين، لإذلالهم وتأكيد حقيقة أن 40٪ من سكان العاصمة الإسرائيلية يعيشون تحت الاحتلال" هكذا وصف مجلس تحرير صحيفة هآرتس مسيرة الأعلام التي تجري تحت حراسة إسرائيلية مشددة وانتشار مكثف لقوات الأمن في جميع أرجاء المدينة يشارك فيه ألاف الضباط.
وتضيف الصحيفة بأنه ليست كل الأغاني والشعارات التي يرفعها المشاركون عنصرية أو متطرفة فبعضها يتحدث عن القدس والتوراة، وبعضها الآخر هي أغاني انتقامية كأغنية "انتقم لعين من عيني" وشعارات "فلتحترق قريتك العربية".
لكن هآرتس تقول إن "أي محادثة حول محتوى الأغاني والشعارات التي يغنيها أو يهتفها الشباب الإسرائيلي اليهودي أثناء عبورهم بوابة العامود هي محادثة إسرائيلية داخلية بحتة".
بالنسبة للفلسطينيين المقدسيين في المدينة، "المسيرة ستزعج حياتهم وتنتقص من شرفهم، حتى لو اكتفى جميع المشاركين بالأغاني التي تتحدث عن القدس والوحدة فقط".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة